أمير عسير يدشّن مبادرة "عسير تقتدي" للتبرع بالدم دعمًا للقيم الإنسانية    بلان يستبعد لاعبه قبل لقاء النصر    جمعية طلال الخيرية تنفذ مبادرة عون    إمام المسجد الحرام: حب الوطن نعمة وواجب شرعي يستوجب الشكر والدفاع    إمام المسجد النبوي: الغفلة تصدّ عن ذكر الله وتضيّع الأعمار    الأسهم الأوروبية تتعافى من أدنى مستوياتها بدعم من القطاع المالي، وانتعاش الصناعي    مفردات من قلب الجنوب 21    الذهب يستقر وسط تراجع توقعات خفض الفائدة ودعم الرسوم الجمركية    القرار يسهم في إعادة توازن السوق العقاري ويوفر بيئة استثمارية عادلة ويخفض النزاعات ويسرع القضاء    " فرع وزارة الصحة بجازان " يحتفي باليوم الوطني ال 95 تحت شعار "عزنا بطبعنا"    القيادة تهنئ رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني بذكرى 26 سبتمبر    جمعية المانجو بجازان تنظم ورشة عمل حول مكافحة ذبابة الفاكهة بصبيا    الإفتاء بعسير يحتفي باليوم الوطني ال95    نادي ذوي الإعاقة بعسير يحتفل باليوم الوطني ال95 بمشاركة واسعة من الجهات المجتمعية    الجمعية السعودية للتربية الخاصة ( جستر محايل ) تحتفي باليوم الوطني 95    مسك ونيوم تتعاونا لتعزيز قدرات القيادات الوطنية.    جمعية العون الخيرية تحتفي باليوم الوطني ال95 وتفتتح قاعاتها الجديدة    معرض تاريخي لجمعية الكشافة بمناسبة اليوم الوطني ال 95 للمملكة    جمعية الكشافة تختتم فعالياتها الاحتفالية باليوم الوطني ال95 في الرياض    غرفة الشرقية تحتفي باليوم الوطني ال 95 بعروض وفقرات فلكلورية وأهازيج وطنية    البركة الخيرية وجمعية سقياهم توقعان إتفاقية لإنشاء محطة تحلية في مركز الحيراء    وزير الخارجية يلتقي نائب رئيس الوزراء وزير خارجية لوكسمبورغ    وزير الدولة للشؤون الخارجية يشارك في فعالية بشأن الجفاف    مظاهر البهجة ترتسم على وجوه الأطفال    اليد الحانية    المملكة.. داعم تنموي واقتصادي لليمن    التحدي والاستجابة.. سرّ البقاء السعودي    في مفهوم التملق    الوطن قصيدة لا تنتهي    ترامب: لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية    في وداع العزيز أبي عبدالعزيز    فتح الرياض    دراسة حديثة : الأكل الليلي المتأخر قد يربك الهرمونات... ويهدد الصحة!    د. محمد الشهري: مشروبات الطاقة تقلل جودة النوم وتزيد نبضات القلب وتؤدي إلى القلق    السمنة تؤثر على 188 مليون طفل    19 فعالية في مدارس التعليم تعزز الولاء والانتماء وتحفز على الإبداع    شرطة الرياض تقبض على يمني لاستغلاله أطفال ونساء يمنيين في التسول بالميادين والطرقات العامة    الهلال يستفيق بثلاثية أمام الأخدود    لاعبا الهلال والاتحاد ضمن المرشحين .. الاتحاد السعودي يستضيف النسخة ال29 من حفل جوائز الاتحاد الآسيوي    الخلود يحصد النقاط الثلاثة من الشباب    "جستر" جازان بالتعاون مع "سحر الفنون" ينفذان معرض قدرات وطن احتفاءً باليوم الوطني 95 في محافظة صامطة    لمدة 5 سنوات: إيقاف الزيادة السنوية في عقود إيجار العقارات السكنية والتجارية داخل النطاق العمراني في الرياض    اليوم الوطني ال95... يوم فخر واعتزاز    مصيون أثر الاستيطان الأول بتبوك    ولي عهد الكويت يشكر السعودية على دورها في دعم حل الدولتين    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    القبض على مروج حشيش في جدة    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساعد وزير البترول أمام (مؤتمر الخليج والتحديات الإقليمية): نبذل قصارى جهدنا لتنويع الاقتصاد والتصنيع لننتقل إلى مجتمع المعرفة
نشر في البلاد يوم 18 - 09 - 2014

أكد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول أن العالم يشهدُ اليوم تحولات أسرعُ من أي وقتٍ مضى، حيث تواصل مؤثرات عديدة العمل على رسم المشهد المحيط بنا على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والطاقة ولا يزال تعافي الاقتصاد العالمي هشّاً، نتيجة ظهور مصادر جديدة للمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية في أنحاءٍ عدّة من العالم، كما لا زال المشهد الجيوسياسي والعلاقات الدولية والإقليمية في حراكٍ مستمر، مما أدّى إلى ظهور أنماطٍ جديدة من العلاقات الاقتصادية تزامنت مع انتقالِ نمو الثروات إلى الاقتصادات الناشئة، واستمرار تدّفق تجارة الطاقة في التكيّف مع ظهور أنماطٍ جديدة للعرض والطلب في قطاع الطاقة.
وقال سموه في كلمة ألقاها امس أمام مؤتمر الخليج العربي والتحديات الإقليمية الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث إنه في أثناء هذه التحولات على الساحة العالمية، ثمّة تساؤلات عديدة تُطرحُ حول الدور المستقبلي لدول مجلس التعاون الخليجي، وموقعها من النظام العالمي في مجالات السياسية والاقتصاد والطاقة، حيث يتوقع بعض المراقبين مستقبلاً بالغ الغموض لهذه المنطقة، ويجادل هؤلاء المراقبين بأن التأثير الناشئ عن التطورات الحالية لقطاع الطاقة بالولايات المتحدة، سيكون له أثراً واضحاً يؤدي إلى تحوّلاتٍ مهمة ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل تمتد آثارها إلى بقية أنحاء العالم. يترتّب عليها تراجع الدور المهيمن الذي مارسته المملكة العربية السعودية وغيرها من منتجي الطاقة بالخليج في أسواق الطاقة العالمية. ويُحذّر هؤلاء المراقبين من أنّ التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الناتجة من هذه التحوّلات، قد تكون جسيمة، وتأتي هذه التوقعات غير مفاجئةٍ للمملكة العربية السعودية، في أوقاتٍ بالغة الغموض وسريعة التحوّل، فإنّ ظهور مثل هذه التوقعات المتشائمة، هو أمرٌ متوقّع. ولكن، كما حدث في الماضي، سينقض المستقبل هذه التوقعات.
الأسعار وتوازن العرض والطلب
وتابع سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان يقول : إن سوق البترول يحتاج إلى سعر مرتفع لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، خصوصاً مع زيادة الإنتاج من مصادر جديدة وأكثر صعوبة مثل الزيوت الرملية والصخرية والبحرية، والزيوت المستخرجة من تحت طبقات الملح في المياه العميقة جداً، حيث أنّ هذه المصادر الجديدة للبترول تساعد في وضع حد أدنى لأسعار البترول في الأجل الطويل. وكما أشار مؤخراً الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، المهندس خالد الفالح بأنّه "للاستفادة من هذه المصادر البترولية التي تزداد كلفةً، يجب أن تكون أسعار البترول مرتفعة بما يكفي لجذب الاستثمارات المطلوبة. أمّا الوجه الآخر للعملة نفسها، فهو أن الأسعار في الأجل الطويل؛ ستحظى بدعم التكلفة المرتفعة للبرميل الجديد المنتج من هذه المصادر". لقد أظهرتْ السوق البترولية اشاراتٍ للتحديات المقبلة بخصوص التكاليف المتزايدة، والنقص في القوى العاملة، وتقلّص مناطق تواجد البترول الرخيص والسهل. وبينما شهدتْ الأسعار الفورية تراجعاً في الأسابيع الأخيرة، فإنّ أسعار بترول "برنت" للأجل الطويل، تتداول حالياً بأسعارٍ أعلى من السنة الماضية.
ولفت الإنتباه إلى أنه إضافةً إلى مصادر الإمداد الأكثر كلفة وصعوبة فإن معظم المنظمات الدولية تتوقع المزيد من الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي والعراق. ففي النشرة الأخيرة من "تقرير الاستثمار العالمي في مجال الطاقة" World Energy Investment Outlook ، تشير وكالة الطاقة الدولية IEA إلى ضرورة زيادة الاستثمار في قطاع البترول في منطقة الشرق الأوسط، لتعويض الانخفاض في مناطق أخرى من العالم. وفي حال لم تنجح دول الشرق الأوسط بزيادة الاستثمار، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع أسعار البترول بنحو 15 دولاراً فوق مستوى الأسعار الراهنة بحلول عام 2025بالأسعار الحقيقية.
وقال سموه إن دول مجلس التعاون الخليجي ستواصل أداء دور مركزي في ظل هذا النظام المركّب للطاقة؛ أمّا الآراء القائلة أنّ الزيت الصخري بالولايات المتحدة، سوف يؤدي إلى تراجع الدور المهم الذي تؤديه المملكة العربية السعودية، وغيرها من المنتجين بدول الخليج في أسواق الطاقة العالمية خلال القرن الماضي، ليست إلا آراءً مضللة. فبالإضافة إلى حجم احتياطياتها وإنتاجها، يوجد عامل مفصلي يميّز المملكة العربية السعودية، يتمثّل بأنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بطاقة انتاجية فائضة قابلة للاستخدام. ففي حال انقطاع الامدادات نتيجة عوامل جيوسياسية أو فنية، وهو ما حدث كثيراً في السنوات الأخيرة، حيث عمدت المملكة العربية السعودية إلى استخدام فائض طاقتها الإنتاجية، لتعويض نقص العرض، مما أدى إلى استقرار أسعار البترول. فبين عامي 2011 و 2013 أشارت التقديرات إلى أنّ الأسواق فقدتْ أكثر من 1.6 مليار برميل من إنتاج البترول نتيجة انقطاع الامدادات، بادر المنتجون بدول مجلس التعاون الخليجي إلى استخدام فائض طاقتهم الإنتاجية، لتعويض نقص العرض والحيلولة دون الارتفاع السريع والمبالغ فيه لأسعار البترول. وقد ارتفع الانتاج المشترك للمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة من حوالي 14 مليون برميل يومياً، قبل بداية الربيع العربي، إلى أكثر من 16 مليون برميل يومياً خلال معظم السنوات الثلاث الماضية.
وأوضح أن أهمية الطاقة الإنتاجية الفائضة لا تقتصر على فترات انقطاع الامدادات، فخلال الفترة 2002 -2007، ارتفع الطلب العالمي على البترول بوتيرة سريعة جداً، نتيجة ارتفاع النمو الاقتصادي في آسيا. وخلال نفس الفترة، ارتفع بحدةٍ الطلب العالمي على البترول ب 8 ملايين برميل يومياً، ونجحت المملكة العربية السعودية والمنتجون بدول مجلس التعاون الخليجي بزيادة الإنتاج لتلبية ارتفاع الطلب العالمي على البترول. ولولا هذه القدرة على زيادة الإنتاج خلال فترة قصيرة نسبياً، لتصاعدت الأسعار لتحقيق توازن السوق، مما كان سيؤدي إلى زيادة التضخم العالمي، وإلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي. لذا، تُعد تلك الطاقة الإنتاجية الفائضة، بمثابة تأمين ضد التقلّبات غير المتوقعة في أوضاع سوق البترول العالمية، وأداة رئيسة للمحافظة على استقرار كلٍ من أسواق البترول والاقتصاد العالمي. كما تنتشر وجهة نظر أخرى على نطاق واسع، تفيد بأن تراجع اعتماد الولايات المتحدة على واردات البترول من المنطقة، سيؤدي إلى تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها المتميّزة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان أنه تاريخياً، كان اعتماد الولايات المتحدة على الواردات من المملكة العربية السعودية متواضعاً، ففي عام 1977 بلغت واردات الولايات المتحدة من البترول الخام من المملكة معدل 1.3 مليون برميل يومياً، ثم ارتفعت إلى 1.7 مليون برميل يومياً في عام 1991، إبّان حرب الخليج الأولى، لتعود إلى 1.3 مليون برميل يومياً في عام 2013. كما بلغ معدل واردات الولايات المتحدة من البترول الخام من دولة الكويت عام 2013 حوالي 300 ألف برميل يومياً، وهذه تعد أكبر كمية تستورها الولايات المتحدة من الكويت خلال العقدين الماضيين. وبالنسبة لمنتجي دول المجلس الأخرى كالإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر كانت صادراتها البترولية إلى الولايات المتحدة تعادل الصفر تقريباً خلال العقود الثلاثة الماضية. وتدل هذه الاتجاهات على أنّ التغيرات في صادرات المنتجين بدول المجلس إلى الولايات المتحدة، تمليها ظروف السوق والاعتبارات التجارية. وسواءً استوردتْ الولايات المتحدة البترول الخام من دول مجلس التعاون الخليجي أمْ لم تستورد، فهي مسألة قليلة الأهمية بالنسبة إلى ديناميكية أسواق البترول العالمية، ذلك أن الخامات البترولية قابلة للاستبدال بخامات أخرى مشابهة، فالبترول الذي لا يمكن بيعه للولايات المتحدة سوف يجد طريقه إلى أسواقٍ أكثر حاجة إليه.
*ترابط الأسواق العالمية
وبين أنه علاوة على ذلك، فإن أسواق البترول العالمية مترابطة إلى حدٍّ كبير، وأيّ صدمة على مستوى العرض في أي جزء من العالم، من شأنه أن يؤثر على أسعار البترول في أنحاء العالم كافة. وبما أن الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من البترول الخام، فلا يمكنها أن تنأى بنفسها عن مثل تلك التقلبات في امدادات البترول العالمية. ولكن لنفترض جدلاً أن الولايات المتحدة باتت اليوم مكتفية ذاتياً، فإن انقطاع الإمدادات يمكن أن يظلّ مُكلّفاً، ليس فقط من حيث تأثيره المباشر على الاقتصاد الأمريكي، بل أيضاً بشكلٍ غير مباشر من خلال تأثيره على شركائها التجاريين. حيث سيؤدي النقص في الإمدادات إلى التدافع على البترول، ما سينتج عنه ارتفاع الأسعار ويؤثر ذلك بدوره على الاقتصاد العالمي، ويطال في نهاية المطاف الاقتصاد الأمريكي. ولمنع تأثير صدمات انقطاع الإمدادات، سيتعيّن على الولايات المتحدة فصْل اقتصادها وسوق البترول المحلية عن بقية العالم من خلال سياسات انعزالية، وهو أمر غير واقعي للغاية وغير مجدٍ اقتصادياً.
وأفاد سموه أنه انطلاقاً من القناعة الثابتة للمملكة بقوة أساسيات سوق الطاقة في الأجل الطويل، ورؤيتها بأنّ المنطقة ستؤدي دوراً أساسياً في تلبية نمو الطلب العالمي المتوقع على الطاقة، فإنّ حكومات دول مجلس التعاون تسعى إلى بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على موقعها، وتحسينه في النظام العالمي في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة. ومن أجل المحافظة على قدرتها التصديرية، تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بجدٍّ على إعداد برامج جديدة لرفع كفاءة استهلاك الطاقة. وكما ذكرتُ مؤخراً في مقالٍ منشورٍ في مجلة منتدى أوكسفورد للطاقة بأنّه "رغم أنّ هذا النمو في الطلب يُعزى بصورة أساسية إلى النمو الصناعي وتنامي الرفاهية الاقتصادية في المملكة، فإن جزءاً كبيراً منه نتج عن عدم الكفاءة في الاستهلاك، وأدّى إلى هدر الطاقة مما يجعل هذا النمو المتسارع أمراً غير قابلٍ للاستدامة".
تنويع القاعدة الاقتصادية
وتشهد المملكة بالفعل مجهودات لخفض كثافة الطاقة في النشاط الاقتصادي، من خلال تطبيق برامج لرفع كفاءة الطاقة. بالإضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة، تعمل دول المنطقة على تنويع استخداماتها لمصادر الطاقة. إذ أنّ معظم الطلب على الطاقة بدول مجلس التعاون الخليجي، يتم تلبيته حتى الآن من المصدرين الرئيسين لموارد الطاقة، هما البترول الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي، وتبذل جهوداً كثيرة لزيادة دور الطاقة المتجددة والطاقة النووية في مزيج الطاقة في دول المجلس. وهذه الجهود لرفع كفاءة استهلاك الطاقة، وتنويع مصادرها، ينبغي النظر إليها بوصفها تأكيداً لقناعة المملكة بقوة أساسيات أسواق البترول في الأجل الطويل، ما يمكّن المنطقة من المحافظة على قدرتها التصديرية.
وأشار إلى أنه مع أنّ روابط دول مجلس التعاون الخليجي مع الاقتصاد العالمي تشكّلتْ عن طريق تدفقات تجارة البترول الخام، إلا أنّ طبيعة تلك الروابط مستمرةٌ في التطور، مع سعي بعض دول المنطقة إلى تحويل قسمٍ أكبر من نفطها الخام إلى منتجاتٍ مكررة ومنتجات بتروكيماوية، لتنويع قاعدتها الاقتصادية وايراداتها، وتحقيق مزيدٍ في القيمة المضافة للاقتصادات المحلية، وتوسيع قاعدة المعرفة لاقتصادات دول المجلس، من خلال تطوير قدرتها على تقديم مجموعة كبيرة ومتنوعة من المنتجات البالغة التعقيد. وكما أشار معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي قبل بضع سنوات أنّ "المملكة العربية السعودية تعتمد اليوم إلى حدٍّ كبير على مصدر واحد للدخل من إنتاج الهيدروكربونات ولا يمكن لنا أن نستمر إلى الأبد في الاعتماد على مصدر الدخل هذا. دعونا نبذل قصارى جهدنا لتنويع الاقتصاد، والاتجاه نحو التصنيع لننتقل في النهاية إلى مجتمع المعرفة"، ويعد انتشار المجمّعات الصناعية والتجمعات حول مصانع البتروكيماويات، جزءاً من هذه الاستراتيجية. كمشروعات التجمعات الصناعية السعودية ، مثل مشروعات السيارات، والطاقة الشمسية والبلاستيك والتغليف، والأجهزة المنزلية- وتُشير بوضوحٍ إلى رغبة الحكومات الإقليمية، في إنشاء الإطار المناسب لتعزيز التكامل للوصول للمنتجات النهائية، وتطوير قاعدة صناعية، تضم الأنشطة المساندة كافّة ، بما في ذلك التدريب ومراكز البحوث ومختبرات البحث والتطوير. فضلاً عن عنصرٍ مهمٍ آخر يتعلّق بدمج المصافي والعمليات البتروكيماوية، وهو اتجاه اكتسبَ زخماً في السنوات الأخيرة، كما يتضح من إطلاق مشروعاتٍ عملاقة جديدة مثل "صدارة" و"بترورابغ" و"ياسرف" و"ساتروب" و"جيزان".
وأضاف أن المملكة العربية السعودية تمتلك موارد قيّمة أخرى غير البترول والغاز، فقد حددت وزارة البترول والثروة المعدنية 1270 مصدراً للأحجار الكريمة، و1170 مصدراً للمعادن الأخرى، كما أصدرتْ أعداداً متزايدة من امتيازات التعدين والاستكشاف. كذلك، اتُخذت خطوات ملموسة في السنوات الأخيرة، لتشجيع مشاركة القطاع الخاص بشكلٍ كبيرٍ في مجال تطوير قطاع التعدين، اشتملتْ هذه الخطوات على حوافز للاستثمار للشركات المحلية والأجنبية، وشركات خدمات المساندة، بهدف تطوير قطاع التعدين. وتمَّ ضخّ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية كمحطات توليد الكهرباء، وإنتاج المياه، ومرافق التنقية والتوزيع والطرق والاتصالات لدعم عمليات التعدين. ويشكّل استهلاك الطاقة جانباً مهمّاً في عمليات استخراج المعادن ومعالجتها، وبالتالي فإنّ تنمية صناعة التعدين، ستمكّن المملكة من زيادة القيمة المضافة المحلية من استغلالها لثرواتها الطبيعية، وستساعد استراتيجية المملكة العربية السعودية المزدوجة للتكامل الأفقي والرأسي في عمليات التكرير والبتروكيماويات والتعدين على تنويع قاعدتها الاقتصادية، وزيادة الطلب المحلي المرشّد على مصادر الطلب على الطاقة، وبالتالي جعل اقتصادها أقلّ عرضةً للتقلبات الدورية في أسواق الطاقة العالمية.
ولفت سموه الإنتباه إلى أن هذه الجهود لا تتركز فقط على قطاعات التعدين والطاقة والصناعات المكثفة للطاقة، فقد حسّنتْ المملكة العربية السعودية نظام الاستثمار لديها، لجذب الاستثمار الأجنبي، وتدفقات رأس المال، بهدف تنويع اقتصادها بعيداً عن قطاع الطاقة. ووفقاً لتقرير التنافسية العالمية 2014-2015 Global Competitiveness Report ، حلّتْ المملكة في المرتبة الثانية بين أكبر عشرين اقتصاد للأسواق الناشئة من حيث القدرة التنافسية، ونوّه التقرير ببعض نقاط القوة الرئيسة التي تتمتع بها المملكة؛ الأساسيات القوية للبلاد مدعومةً باستقرار الاقتصاد الكلي، والديون المنخفضة، والفوائض الكبيرة للميزانية. كما باشرت المملكة العربية السعودية الاستثمار في تطوير مشروعات كبيرة في مجال البنية التحتية، لتحقق مكانةً عالمية مرموقة في مجال النقل والخدمات اللوجستية. ويجري التخطيط لاستثمار 100 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، لتطوير البنية التحتية للنقل في المملكة، بما في ذلك مرافق متعددة النماذج في المدن الاقتصادية، التي ستكون الأكبر والأكثر تقدماً في المنطقة، ويمكن اعتبار الأداء الأخير لسوق الأسهم السعودية بمثابة دليل على ما سبق ذكره، إذ تجاوز المؤشر العام للسوق حاجز 11000 نقطة، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ انهيار بنك "ليمان براذرز" في سبتمبر 2008، بالرغم من توافد سلسلة من الأخبار غير السارّة إقليمياً، مما يعكس الثقة القوية في اقتصاد المملكة، ليس فقط من قبل المستثمرين المحليين، بل أيضاً من قبل المستثمرين الأجانب المستفيدين من زيادة انفتاح الاقتصاد السعودي وحرية الاستثمار فيه.
الصناديق السيادية
وأكد أن قوة اقتصادات دول المنطقة أدت إلى احتلالها مكانة أكبر على الساحة الدولية، وبوجود أكثر من 10 صناديق سيادية، يبلغ إجمالي أصولها 1.7 تريليون دولار تحت إدارتها، أصبحتْ معه دول مجلس التعاون الخليجي من كبار الممولين الماليين في العالم، في وقتٍ تعاني فيه العديد من دول العالم من العجز وتراكم الديون. وقد وفّرت هذه الاحتياطيات الكبيرة من العملة الأجنبية والأصول ملاءة مالية مهمّة ضد الضعف الطارئ في الأسواق البترولية. أمّا الادعاءات القائلة أنّ انخفاض أسعار البترول، سيتسبب بانهيار اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فليست إلا ادعاءات مُضلِّلة على أقل تقدير، تتجاهل المرونة المتزايدة لدى اقتصادات دول المجلس. كما تشكّل دول مجلس التعاون الخليجي سوقاً استهلاكية مهمة. ففي عام 2013، بلغت قيمة وارداتها من السلع والخدمات نحو 711 مليار دولار، أي ما يتجاوز تقريباً ثلاثة أضعاف متوسط تلك الواردات خلال 2000-2008 الذي بلغ 240.8 مليار دولار. فمن حيث الغذاء وحده، سيبلغ إجمالي الإنفاق على واردات الغذاء ضعف مستواه الحالي، ليصل إلى 53.1 مليار دولار بحلول عام 2020. وقد ساهم التكامل المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي في النظام الاقتصادي العالمي من خلال التجارة والاستثمار، والروابط المالية، بفسح المجال لتؤدي المنطقة دوراً رئيساً في إعادة التوازن للاقتصاد العالمي. ويعني ارتفاع قيمة الصادرات البترولية المزيد من الإنفاق على السلع والخدمات الأجنبية، والمزيد من الاستثمار في الأصول الأجنبية، والمزيد من الاستثمار في الاقتصادات المحلية، التي ستوفّر فرصاً هائلة للمستثمرين الأجانب والشركاء الدوليين.
دعم استقرار المنطقة
وبين سموه أن دول مجلس التعاون الخليجي تؤدي دوراً أساسياً من الناحيتين السياسية والاقتصادية، بالنسبة لبقية دول الشرق الأوسط. فخلال السنوات القليلة الماضية، قامت دول مجلس التعاون بأداء دورٍ رئيس في المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة. وعندما فرضتْ الحكومات الغربية اجراءات تقشف، وأعادتْ رسم سياساتها الخارجية، تاركةً فراغاً كبيراً في المنطقة، كثّفت دول مجلس التعاون مبادراتها السياسية، وزادتْ مساعداتها الاقتصادية ودعمها المالي لشركائها الاستراتيجيين المتضررين في المنطقة. وقد أسهم هذا الدعم الاقتصادي والسياسي بالنسبة لتلك الدول، على تخفيف بعض الضغوط المالية الآنية، والمحافظة على أمنها السياسي والاجتماعي. إلا أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تدرك محدودية إمكانياتها، أخذة في الحسبان التحديات الماثلة أمامها، وتقدّر أنّ أيّ جهدٍ ناجح لاستقرار المنطقة، ينبغي أن يكون ضمن تعاونٍ دولي واسع، ولو غاب دعم دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الماضية لكان من المحتمل أن يكون الوضع السياسي في الدول المتضررة في المنطقة أسوأ بكثير مما هو عليه راهناً.
واختتم سمو مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول كلمته بالقول: إن دول مجلس التعاون الخليجي لن تفقد موقعها المتميّز على الساحتين الدولية والإقليمية، وستستمر في أداء دور رئيس في الساحات السياسية والاقتصادية والطاقة العالمية. وإن أساسيات أسواق الطاقة ستبقى قوية، نظراً لتحول النشاط الاقتصادي العالمي، وتدفق الطاقة بعيداً عن مراكز الاستهلاك التقليدية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى دول الاقتصادات الناشئة، وستمتلك دول مجلس التعاون الخليجي قدرات متعددة، تتيح لها الاستفادة من هذه التحولات في النمو الاقتصادي والثروة، مشدداً على أن الجهود والمبادرات العديدة- الهادفة إلى تنويع قاعدة الاقتصاد المحلي عن طريق التكامل الأفقي والرأسي للعمليات الصناعية، ورفع كفاءة استهلاك الطاقة المحلي، وتنويع مصادرها وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وفتح الاقتصاد للاستثمار الأجنبي- التي يجري تنفيذها تعزز مركز دول مجلس التعاون الخليجي في الاقتصاد العالمي وتجعل الإقليم أكثر أزدهاراً، فازدهار دول مجلس التعاون الخليجي يسهم بشكلٍ إيجابي في الاقتصاد العالمي، ويوفّر فرصاً اقتصادية كثيرة لشركائها. وأنّ استقرار وأمن دول مجلس التعاون الخليجي، يُعد شرطاً أساسياً لاستقرار أسواق الطاقة، والاقتصاد العالمي، ولأمن حلفائها الدوليين والإقليميين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.