في أحد أيام طفولته قضى العالم إسحاق نيوتن ساعات وهو يلاحظ تفاحة تسقط من الشجرة لم تكن هذه الملاحظة العابرة مجرد فضول طفولي بل كانت الشرارة التي أضاءت طريقا نحو قوانين الجاذبية التي غيرت فهمنا للكون هذا الفضول المتقد هو ما يميز العقل الحيوي لكن ماذا يحدث عندما تخبو هذه النيران الداخلية عندما نستبدل التساؤل بالانتهاء . تضاؤل الفضول هو تلك العملية الخفية التي يتحول فيها العقل من حالة الاستقصاء والتساؤل الدائم إلى حالة من الرضا المعرفي والجمود الفكري إنه ليس فقدانا مفاجئا بل تآكل تدريجي لرغبتنا في معرفة لماذا وكيف وماذا لو ؟. مظاهر تضاؤل الفضول : • استبدال الأسئلة بالافتراضات • تفضيل المألوف على المجهول • فقدان الدهشة تجاه الظواهر اليومية • تحويل الحوارات إلى تبادل تأكيدات بدلا من استكشاف أفكار جديدة
لماذا يخبو الفضول ؟ 1. عبء البلوغ المعرفي : مع تقدم العمر نكتسب ما نعتقد أنه معرفة كافية للتعامل مع العالم نخلق لأنفسنا خريطة معرفية نشعر بأنها تكفي للتنقل في الحياة فيتوقف استكشاف الأراضي المجهولة على هذه الخريطة 2. اقتصاديات الانتباه : في عصر التدفق المعلوماتي الهائل يصبح الفضول رفاهية قد لا نستطيع تحمل تكلفتها عقولنا تستنزف في فرز المعلومات الضرورية فلا تتبقى طاقة للاستفسار عن غير الضروري 3. الخوف من الاضطراب الوجودي : الفضول يفتح أبوابا قد تؤدي إلى أسئلة تهدد نسق معتقداتنا المستقر نحن نفضل الأمان المعرفي على المخاطرة بزعزعة الصورة المتماسكة للعالم التي بنيناها 4. الروتين القاتل : اليوميات المتكررة تصنع عقلا متكررا عندما تصبح الحياة سلسلة من المهام المتوقعة يختفي عنصر المفاجأة الذي يغذي الفضول 5. ثقافة الإجابات الفورية : في عالم يقدم إجابات جاهزة على بعد نقرة تضمر عضلة السؤال لماذا نسأل عندما يمكننا أن نعرف فورا
الثمن الخفي ما نخسره عندما يفتر فضولنا ؟ على المستوى الفردي : 1. تصلب فكري نصبح أسرى لنماذج تفكيرية قديمة 2. شيخوخة مبكرة للعقل العقل الذي يتوقف عن التساؤل يبدأ بالجمود 3. فقر عاطفي تنحسر مصادر الدهشة والإعجاب التي تغذي الروح 4. تقلص الذات تصبح هويتنا محدودة بما نعرفه بالفعل لا بما يمكننا اكتشافه
على المستوى المجتمعي : 1. جمود ثقافي مجتمعات بلا أسئلة جديدة لا تنتج إجابات جديدة 2. تكريس الأفكار النمطية يختفي الحافز لاختبار المعتقدات الراسخة 3. تراجع الابتكار الاختراعات تبدأ دائما كسؤال مجنون
الجانب المشرق لماذا يستحق الفضول أن نحافظ على جذوته ؟ 1. الفضول كنبع للشباب الداخلي الفضول هو أقرب شيء لينبوع الشباب الذي بحث عنه المستكشفون القدامى العقل المتسائل يبقى مرنا حيا قادرا على التجدد 2. الفضول كجسر نحو الآخر عندما نسأل بصدق عن تجارب الآخرين ومعتقداتهم نبني جسورا من الفهم تتخطى حواجز الاختلاف 3. الفضول كمناعة ضد التطرف العقل الذي يتساءل يبقى منفتحا على احتمالات متعددة وهذا الانفتاح يحميه من الجمود الفكري والأفكار المطلقة 4. الفضول كمحرك للإبداع كل عمل إبداعي كبير بدأ كسؤال ماذا لو من لوحة الجرنيكا لبيكاسو إلى نظرية النسبية لأينشتاين 5. الفضول كعلاج للروح في عالم مليء باليقينيات الزائفة يصبح الفضول مساحة للحرية حرية التشكيك حرية الاستكشاف حرية عدم المعرفة
إعادة إشعال الشعلة استراتيجيات لاستعادة الفضول 1. ممارسة الجهل المتعمد خصص وقتا لتتخيل أنك لا تعرف ما تعرفه اسأل أسئلة بدائية عن الأشياء التي تعتبرها بديهية . 2. طقوس الدهشة اليومية احتفظ بمفكرة دهشة تدون فيها شيئا واحدا أثار فضولك كل يوم مهما بدا بسيطا ً. 3. حوارات الاستكشاف ابدأ محادثات بهدف الاكتشاف لا الإقناع اختر موضوعا تعرف القليل عنه وتحدث مع شخص يعرفه جيد اً. 4. العبور المعرفي اقرأ أو استمع لموضوع بعيد تماما عن مجال تخصصك الفيزياء إذا كنت أديبا الشعر إذا كنت مهندسا . 5. أسئلة الطفولة عد إلى أسئلة طفولتك التي لم تجد إجابة عليها مازال سؤال لماذا السماء زرقاء عميقا إذا فكرت فيه بطريقة جديدة .
خاتمة نحو حياة أكثر اتساعا تضاؤل الفضول ليس حتمية بل هو خيار غير واع نقع فيه يوميا كل سؤال نخمد فيه فضولنا هو باب نغلقه على عالم ممكن والفضول في جوهره ليس رفاهية فكرية بل هو ضرورة وجودية إنه الطريقة التي بها نوسع كوننا الداخلي لنحتوي عوالم أكبر . المستشار فرحان حسن X: https://twitter.com/farhan_939 e-mail: [email protected]