في حمص يرقد سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه ، خالد الذي عندما أدركته المنيّة قال كلمته التي حفظها له التاريخ : لقد حضرت كذا وكذا زحفًا ، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء. مات خالد ، ولم تمت كلماته ؛ لأن الكلمات عندما تروى بالدم تصبح خالدة على مر الأيام. وهاهي حمص اليوم تثبت للتاريخ أنها بوابة الحرية ، وقنديل الفجر الآتي ، وخميرة الممكنات. فقبس خالد ونور كلماته يضيئان حمص بكاملها ، وبسالة خالد تسري في عروق أحفاده ، فيتصدون بصدورهم العارية لمجنزرات بشار ، ورصاص شبيحته ، ويسطرون ملحمة أذهلت العالم من أقصاه إلى أدناه. عام كامل وحمص بغصون الزيتون ، وأغاني الأطفال ، وصدور الشباب العارية تقاوم جيشا مدججا بالسلاح ، فيعجز الجيش السوري عن دخول بابا عمرو ، ويقرر رجم المدينة بالصواريخ والمدفعية ، ويدك البيوت على رؤوس أصحابها ، ويقطع الماء والدواء والغذاء عنها ، وهي صامدة لا تنكسر ، فقد أعلنت أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. خالد الذي مات وليس في جسده شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، يتكرر مشهد بطولته في مدينته التي اختارها وطنا لرفاته ، حمص عاصمة الحرية ، التي ليس في جسدها اليوم شبر إلا وفيه شظية ، أو قذيفة ، أو ظفيرة طفلة ، أو حنجرة مغنٍ ، أو جناح عصفور ، ومع كل هذا لم تنكسر ، فهي تشعل غصون الزيتون لتدفئة صغارها ، وتضيء ليل المجهول ليلد فجر الحرية ، وتقول ما قاله خالد : فلا نامت أعين الجبناء. حمص بكل أحيائها : باب الدريب ، باب السباع ، بابا عمرو ، جورة الشيّاح ، حي الإنشاءات ، حي البياضة ، حي الخالدية ، حي الغوطة ، حي النازحين ، حي النزهة ، دير بعلبة ، تعلن لبشار وزبانيته أنها قررت أن تكسر القيد ، فالرصاص لن يزيدها إلا إصرارا ، والراجمات لن تنتزع منها حلم الحرية ، فقد قررت أن تكفر بحزب البعث ، وحزب الله ، وتفضح البكائين على الحسين الذين اصطفوا مع يزيد ، وكفروا بالحسين وحرية الحسين . وميراث الحسين ، وشطبت من ذاكرتها جامعة الدول العربية وبياناتها النارية ، وقممها الغبية ، وكفرت بمنظمة التعاون الإسلامي، التي سكتت عن الحق ، وصامت عن الكلام ، وقالت : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيا. حمص المدينة التي لم تنكسر ، تعلن أن : خالد بن الوليد لم يمت ، فكلماته حية ، و تضحياته خالدة ، وأحفاده مازالوا ممسكين بالراية ، محافظين على العهد ، قادمين من لهب النار ، وخارجين من تحت الأنقاض ، يرددون كلمة خالد : فلا نامت أعين الجبناء. عام كامل وجيش بشار عاجز عن اقتحام حمص ، يمطرها باللهب ، ويمنع عنها الماء ، والهواء ، وهي تخرج من تحت الرماد في كل يوم أقوى وأنقى ، إنها قوة الحرية التي لا يعرف سرها عبيد السلطة وتجار الحروب.