شعر وزير الخارجية الامريكية ، جون كيري، بإهانة كبيرة خلال زيارة قام بها للسعودية اواخر العام الماضي، حيث طلب ان يلتقي الامير بندر سلطان، فكان رد الامير بندر: "لدي رحلة خارجية الآن، ويمكنك ان تلتقيني بالمطار". موقف الامير بندر، الذي أزعج الادارة الامريكية، عكس تحولا كبيرا في السياسة السعودية، واضح مدى غضب الرياض من "الصديق الاستراتيجي" بسبب سياساته "المتخاذلة" من الازمة السورية وملف ايران النووي ، غير انه ايضا يعيد للذاكرة قرارات "حادة" وشجاعة اتخذتها القيادة السعودية خلال العقود الماضية، حيث سبق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ان رفض زيارة واشنطن بسبب موقفها من "انتفاضة القدس" قبل نحو عقد، ومثله فعل الملك فهد - رحمه الله- ولأكثر من مرة.
وتمكن الامير بندر خلال فترة رئاسته للاستخبارات، واستمرت نحو 18 شهرا، من تحقيق العديد من النجاحات، أبرزها دعم الجناح المعتدل الذي يمثل الشعب السوري بأسلحة ساعدته على المقاومة والصمود حتى اليوم، متحديا بذلك المعارضة الامريكية المستمرة لتسليح الثوار الذين يواجهون تحالف قوي مكون من النظام السوري وايران وحزب الله وعشرات الميليشيات الشيعية المتطرفة، يضاف اليها روسيا التي تدعم الاسد بكميات كبيرة من السلاح.
ازمات صحية مستمرة أجبر الامير بندر منذ أشهر على الابتعاد عن الملفات السياسية الهامة التي ادارها منذ توليه رئاسة الاستخبارات بسبب ظروفه الصحية، وقضى الفترة الماضية متنقلا للعلاج بين الولاياتالمتحدة والمغرب بعد ان اجرى عملية جراحية في كتفه اوائل العام الجاري، وعاني خلال الاعوام الماضية ايضا من مشاكل صحية حجبته عن الظهور لفترات طويلة.
كما اضطرته ظروفه الصحية خلال الاشهر الماضية الى الغاء لقاءات هامة مع قيادات سياسية غربية، ومنها اجتماع مع رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون بمنتجع "شيكرز"، وهو منتجع يقضي فيه كاميرون إجازة نهاية الأسبوع.
وكان الامير بندر قد غاب لفترة طويلة بعد تعيينه أمينا عاما لمجلس الامن الوطني في اكتوبر 2005 ، بسبب مشاكل صحية، وهو الامر الذي استغلته ايران والنظام السوري، حيث اطلقت عدة اشاعات بانه تعرض لعملية اغتيال في الرياض ردا على عملياته المستمرة ضد النظامين، وكذلك وقوفه وراء تفجير وقع قبل اعوام في دمشق، وسقط فيه مسؤولون بنظام الأسد.
ايران سعيدة باعفاءه ورغم ان القرار الذي صدر أمس بإعفاء الامير بندر من رئاسة الاستخبارات كان بناء على طلبه، وسط توقعات شبه مؤكدة بان يكون لظروفه الصحية علاقة بالأمر، إلا ان اعلام طهران وجدها فرصة لنشر الشائعات، حيث اوحت تقارير بثتها وسائل اعلام ايرانية بان ذلك القرار يصب في صالح طهران، بعد ان استطاع الامير بندر تحقيق العديد من النجاحات في الملف السوري.
ومنذ عقود تنظر ايران الى الامير بندر على انه عدوها الاول لتمكنه من تأمين عديد من صفقات السلاح لبلاده، ما قلب موازين القوى بالشرق الاوسط، فيما عبرت وكالة فارس الايرانية عن فرحتها بتركه للاستخبارات عبر نشر صورة له وعليها علامة (X) مع خبر اعفاءه.
سياسة موحدة وقيادة متماسكة قرار اعفاء الامير بندر شمل ايضا تكليف الفريق أول ركن يوسف بن علي الإدريسي رئيسا للاستخبارات، ومن المتوقع ان يكمل ما بدأه الامير بندر في التعامل مع جميع الملفات خاصة الملتهبة منها كسوريا ولبنان والعراق، حيث عرف عن السياسة السعودية بانها موحدة ومتناغمة، و جميع المؤسسات والوزارات تسير على نهج واحد في التعامل مع الملفات حتى بعد تغيير قياداتها، تحت توجيه واشراف من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهدة.
ورغم ان العديد من وسائل الاعلام العربية والاجنبية، خاصة القنوات الاعلامية التابعة لايران وسوريا وحزب الله، ستستغل قرار اعفاء بندر بن سلطان لنشر المزيد من الشائعات حول بيت الحكم بالمملكة، الا انه من غير المتوقع ان يصدر أي رد او تصريح اعلامي من القيادة السياسية التي دأبت على تجاهل مثل هذه الشائعات اعلاميا، والرد عليها عمليا بقرارات تثبت ان الامور مستقرة، والبلد يسير بخطى ثابته نحو مزيد من الرخاء والامن، كقرار تعيين الامير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، حيث اثبت ذلك عدم صحة الشائعات التي كانت تتحدث عن مستقبل غير مستقر للمملكة.