"الحمد لله دائماً وأبداً". بهذه الكلمات تختصر العقول الواعية والقلوب الشاكرة أعظم مشاعر الامتنان، وهي تدرك أن النعم التي تحيط بها ليست أمراً مسلّماً به، بل هي محض تفضّل وإحسان من الله المنعم الوهّاب. وإن من أعظم هذه النعم، وأكثرها حضوراً في حياتنا اليومية، هي نعمة الوطن الآمن، الذي لا يعرف كثيرون قيمته الحقيقية إلا حين يسمعون عنقاء الأمان ترفرف بعيداً عن أراضيه. إن فكرة العيش في وطن محفوف بالنعم "من أدنى شيء فيك إلى أغلى ما تملك"، هي فكرة مهيبة بالفعل. إنها تستدعي وقفة تأمل صادقة أمام تفاصيل حياتنا التي نعتاد عليها حتى نكاد لا نراها؛ ماء نظيف يخرج من الصنبور، كهرباء تضيء بيوتنا بمجرد لمس مفتاح، طرق معبدة وآمنة، مستشفيات مجهزة بأحدث التقنيات، وأمن يحيط بنا في كل شارع وحي. هذه ليست "خدمات" فحسب، بل هي مظلة من النعم التي تحفظ كرامة الإنسان وتضمن له حياة آدمية كريمة. وفي ظل الرؤية الطموحة 2030، تجسّدت هذه النعم في واقع ملموس صار يثير إعجاب العالم، ويجعل المواطن السعودي يشعر بالفخر والطمأنينة؛ فمثلاً لا أحد فوق القانون. وعندما يكون العدل هو الأساس والقانون هو الحَكَم، فإن الثقة تُبنى بين المواطن ووطنه. إن مبدأ "لا أحد فوق القانون" ليس شعاراً يُرفع، بل هو ثقافة تُغرس وإجراءات تُتخذ. فهو يضمن الحقوق، ويحمي الممتلكات، ويؤكد للجميع أنهم سواسية أمام القضاء. هذا العدل هو الضمانة الحقيقية لاستمرار النعم، فهو يحفظ حقوق الأفراد ويضمن توزيع الثروات والفرص بشكل عادل، مما يقطع الطريق على الفساد ويبني مجتمعاً متماسكاً تقل فيه الظنون وتسوده الطمأنينة. ومن الفرد إلى الوطن. الأمان لا يقتصر على غياب الحرب، بل هو ذلك الشعور العميق الذي يسمح للطفل أن يلعب في الشارع، والمرأة أن تقود سيارتها في أي وقت، والعائلة أن تسافر بين مدن المملكة دون خوف. إنه الأمن الفكري الذي يحمي الشباب من الضلال، والأمن الاجتماعي الذي يصون كيان الأسرة، والأمن الاقتصادي الذي يضمن استقرار الوظائف وتدفق السلع. أن تمشي في أي بقعة من أراضي المملكة، من شمالها إلى جنوبها، شرقها إلى غربها، وأنت مطمئن البال، هي نعمة لا تقدر بثمن، تجعل الوطن بمثابة الحصن الحصين الذي يأوي إليه أبناؤه، أما من ناحية الكفاية والرعاية فتذكر "ولا ينام المواطن السعودي يوماً ما جائعاً". هذه الجملة تحمل في طياتها أحد أهم مقومات الدولة العظيمة "السيادة الغذائية والأمن الاستراتيجي"؛ ففي عالم يعاني من المجاعات والأزمات، أن تضمن الدولة لمواطنيها توفر الغذاء بأسعار مستقرة ودعم مباشر، هو تجسيد حقيقي للرعاية والمسؤولية. ولعل العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية هو أروع أمثلة الرعاية الصحية الشاملة. إنه نظام يقول للمواطن: "اهتم بصحتك، ودع الباقي علينا". هذه الراحة النفسية، التي تخلو من همّ الفواتير الطبية الباهظة، هي نعمة تحفظ للإنسان صحته وكرامته، وتجعله يوجه طاقته للعمل والإنتاج بدلاً من الانشغال بجمع التبرعات لعلاج عزيز. الشكر ليس كلمات فحسب، بل استدامة وعمل، وحينما تتوفر كل هذه الأركان الأساسية: العدل، الأمان، الغذاء، والعلاج. يصبح السؤال الملحّ هو كيف نشكر الله على هذه النعم؟ الشكر الحقيقي ليس حمداً باللسان فقط، بل هو فعل وعمل ومسؤولية؛ شكر بالقلب بالاعتراف الدائم بأن هذه النعم من الله تعالى، وأنها لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة توفيق الله ثم قيادة حكيمة وتخطيط دقيق وعمل جاد. وشكر بالجوارح بأن يكون المواطن شريكاً في استدامة هذه النعم عن طريق الحفاظ على المال العام، وعدم إهداره باحترام النظام، وببذل الجهد والعطاء والعمل على أن يكون كل فرد في مكانه منتجاً ومبدعاً، ليدفع بعجلة التنمية قدماً ويساهم في رفعة وطنه، وبنشر القيم الإيجابية التي تُشكّل اللبنة الأساسية للمجتمع القوي الذي يتمتع بنعمة الأمان. نعم، يستحق هذا الوطن، بقيادته وشعبه، كل الشكر. والشكر هنا هو عقد بين المواطن وربه، ثم بينه وبين وطنه، على الحفاظ على هذه المنظومة المتكاملة من النعم واستدامتها للأجيال المقبلة. فحمداً لله على نعمة الإسلام، ثم حمداً لله على نعمة الوطن، هذه الأرض المباركة التي أصبحت نموذجاً يُحتذى به في التحول والتنمية والأمن. شكراً لك يا الله على نعمة الوطن.