"محمد، هل تنام في الليل؟".. لم يكن هذا السؤال الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله -خلال زيارته التاريخية للمملكة في مايو الماضي مجرد استفسار عابر، بل كان تعبيراً عميقاً عن دهشة العالم وإعجابه بحجم العمل الذي لا يهدأ والنهضة التي لا تتوقف في المملكة العربية السعودية. في لحظة صدق، لخص ترمب ما يدور في خلد كل من يراقب هذا الحراك التنموي الهائل، متسائلاً كيف يمكن لقائد أن يغمض له جفن وهو يدير ورشة عمل بحجم وطن، ويقود طموح أمة نحو عنان السماء. ومع احتفالنا باليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين هذه الأيام، يأتي هذا السؤال ليكون عنوان فخرنا ومصدر إلهامنا، وليذكرنا بأن خلف كل إنجاز عظيم، هناك قيادة لا تنام، وشعب لا يكتفي بالأحلام فقط، بل يواصل العمل الدؤوب حتى تتحول إلى واقع. إن الإجابة على سؤال الرئيس ترمب لا تكمن في الكلمات، بل في الحقائق الراسخة على أرض الواقع. فالنوم يصبح ترفاً حين تكون الأهداف بحجم رؤية 2030، هذه الخارطة الطموحة التي أعادت تشكيل مستقبل المملكة على أسس من التنوع والابتكار والاستدامة. إنها الرؤية التي حولت الصحراء إلى مشاريع مستقبلية عملاقة، وحركت عجلة الاقتصاد لتتجاوز الاعتماد على النفط، وأطلقت العنان لقدرات الإنسان السعودي، رجلاً وامرأة. فحجم العمل الذي أدهش العالم لا يتوقف، من اجتماعات دولية تاريخية كمنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي شهد صفقات استثمارية ضخمة تقدر بمئات المليارات، إلى متابعة أدق تفاصيل مشاريع نوعية ستغير وجه العالم. عندما ننظر إلى الأفق، نرى ملامح الإجابة تتجسد في مشاريع أيقونية تتحدى المألوف. نراها في "نيوم"، مدينة المستقبل التي تعيد تعريف الحياة الحضرية وتضع معايير جديدة للاستدامة والتقنية، وفي "القدية" التي تستعد لتكون عاصمة العالم للترفيه والرياضة والثقافة، وفي "البحر الأحمر" التي تقدم نموذجاً فريداً للسياحة البيئية المتجددة. هذه المشاريع ليست مجرد هياكل خرسانية، بل هي دليل مادي على أن الطموح السعودي لا يعرف حدوداً، وأن العمل يسير على قدم وساق، ليلاً ونهاراً، لتحويل الأحلام إلى حقيقة ملموسة. إنها الإنجازات التي تجعل المراقبين يتساءلون عن سر هذه الطاقة التي لا تنضب. والإجابة تمتد لتشمل كل بيت سعودي وكل فرد في هذا الوطن. إنها تتجلى في الارتفاع المستمر لنسب تملك المواطنين للمساكن، وفي القفزة النوعية لمشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، لتصبح شريكاً أساسياً في بناء النهضة وقوة فاعلة في جميع القطاعات. ونراها في شبابنا الذين يحصدون الميداليات والجوائز الدولية في مختلف المجالات العلمية والتقنية والرياضية، وفي قطاعنا الصحي الذي يشهد تطوراً مستمراً في التغطية والجودة والوصول للخدمات المتقدمة، وغيرها العديد من القطاعات ولله الحمد. هذه الإنجازات ليست مجرد تطورات، بل هي قصة نجاح وطن يضع الإنسان في قلب تنميته، ويسهر على توفير أفضل سبل جودة الحياة لأبنائه. في يومنا الوطني الخامس والتسعين، يحق لنا أن نفخر بأن سؤال "محمد، هل تنام في الليل؟" أصبح شهادة عالمية على تفاني قيادتنا وحيوية شعبنا. إنه سؤال يحمل في طياته الإعجاب بالهمة التي لا تلين، والعزيمة التي لا تعرف المستحيل. إنه يذكرنا بأن بناء الأوطان الشامخة يتطلب سهراً وجهداً وتضحية، وأن المملكة العربية السعودية، بقيادتها وشعبها، قد اختارت طريق المجد، وهو طريق لا يعرف الراحة حتى يتحقق كامل الطموح. فكل عام ووطننا يواصل مسيرته نحو القمة، بطموح يسابق الزمن.