أثار المغرد «سايبر إيموشن» الأسبوع الماضي زوبعة في فنجان بإقدامه على اختراق الحساب الرسمي لوزير التعليم الدكتور أحمد العيسى في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، والغريب في الأمر أنه حصد تأييدا كبيرا في الشارع الافتراضي وكأنه أتى برأس كليب، خصوصا أن 80% من المشاركين في الاستفتاء الذي طرحه في تويتر وشارك فيه أكثر من 90 ألف مغرد، يؤيدون استمراره في اختراق حسابات المسؤولين، ولكن بعد كل ذلك الجهد البرمجي الذي بذله في عملية «التهكير» والذي يتطلب تحميل عدة «سكريبتات» وهي النصوص البرمجية المطلوبة لتخمين كلمة المرور وتعطيل خصائص التوثيق عبر الجوال وما إلى ذلك، إلا أنه بعد كل هذا لم يأت بشيء يذكر، وكأنما «تمخض الجبل فولد فأرا»! وهذه هي الحقيقة، لأن هذا «الهاكر»، قام بإرسال تغريدات ركيكة عبر حساب الوزير استعرض فيها مشكلات التعليم التي يعرفها القاصي والداني، ومنها قضايا المدارس المستأجرة، وحوادث المعلمات، وعدم توفر الوظائف للخريجين، وتعثر برنامج «كفايات»، وتهميش طلبة الانتساب، وعدم استيعاب الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وجميع هذه القضايا أو «التراكمات» تمت مناقشتها وطرحها آلاف المرات على مدى سنوات واستعرضها الإعلام وأشبعها بكثافة ودون حرج من توجيه سيل من الانتقادات لوزارة التعليم والقائمين عليها. كما انتقد المغرد «سايبر إيموشن» والذي يدعي أنه «مجموعة» وليس شخصا واحدا فقط، وأشك في ذلك، أداء وزير التعليم مدعيا أن الوزير لم يتمكن من حل أي من مشكلات الوزارة الكثيرة، مثل مشكلات النقل والمباني والمنح وتطوير المنظومة، بالرغم أن الوزير لم يمض على تعيينه سوى شهرين فقط، وكأنه بذلك يريد من الوزير أن يمتلك عصا سحرية لحل مشكلات التعليم بين عشية وضحاها. من الواضح أن هذا المغرد غير ملم بقضايا التعليم ولا يدرك أن بعض هذه المشكلات ليست متعلقة فقط بقطاع التعليم وحده، وعلاجها يتطلب تكاتف عدة قطاعات ووزارات أخرى مثل العمل والخدمة المدنية والنقل والمالية والتخطيط، وكثير من المشكلات التي يعاني منها التعليم يصعب حلها على المدى القصير، فعلى سبيل المثال، قضية المدارس المستأجرة يصعب التخلص منها لأسباب عديدة تم طرحها ومناقشتها كثيرا خاصة مع ارتفاعات أسعار العقار ومواد التشييد والبناء التي تعثر المشاريع الحكومية باستمرار، ولكن توجد إستراتيجيات تطبقها الوزارة منذ سنوات لتقليصها تدريجيا، ويعتقد البعض أيضا أن ميزانية التعليم كافية لصناعة المعجزات، لكن هؤلاء ربما ليس لديهم علم بأن رواتب كوادر التعليم تقتطع أكثر من ثلاثة أرباع ما يخصص للوزارة سنويا. وسبق لهذا المغرد اختراق حسابات مسؤولين آخرين ومواقع رسمية، ومن بينهم حساب وزير الخدمة المدنية السابق ورئيس هيئة السياحة والتراث الوطني وموقع الجمعية السعودية لحقوق الإنسان، وبالسياق ذاته، لم يقدم سوى آراء مكررة وطروحات سطحية لا تقدم ولا تؤخر، فعندما اخترق حساب الأمير سلطان بن سلمان، على سبيل المثال، قبل قرابة العامين، ذكر المخترق أن السياحة الداخلية تكلفتها مرتفعة وأن الشباب السعوديين ليس لديهم وسائل ترفيه، وكل هذا ليس بجديد. لم يكن تصرف هذا المغرد موضوعيا، ولم يخدم القضايا التي طرحها والمشكلات التي استعرضها، ولم يكشف حقائق غائبة ولا حلول مفيدة سوى أنه أوقع نفسه في مخالفة المواد الثالثة والخامسة والسابعة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية والمتعلقة بالدخول غير المشروع لمواقع وحسابات إلكترونية وتغيير بياناتها والإساءة للمسؤولين، وهذه المخالفات قد تزج به في السجن لعشر سنوات مع تغريمه خمسة ملايين ريال، ولن يفيده حينها تعاطف البعض معه وتحفيزه على الاستمرار في اختراق الحسابات. لذلك.. اختراق حساب وزير التعليم وتقييمه بتلك السطحية ليس بطولة بقدر ما هي مغامرة طائشة وغير محسوبة العواقب بل وأقرب إلى الحماقة كما وصفها الجاحظ: «تعرف حماقة الرجل في ثلاث: في كلامه في ما لا يعنيه، وجوابه عما لا يسأل عنه، وتهوره في الأمور».