هناك فئة من الناس ترتبط معهم بعلاقة وجدانية تستمر مع تغير المواقع والظروف، هؤلاء الأصدقاء تتواشج بينهم أواصر الود ومهما غابوا والتقوا ستجد أن مشاعرهم فياضة لاتزال تغدق بالحب. وقينان الغامدي أحد الأصدقاء الذين ارتبطت بهم من وقت مبكر، غربت وشرقت بنا الدنيا إلا أن الود بيننا نستمد جزالته من سنوات مضت، وكلما التقينا شعرنا بأن الزمن لم يغادر تلك الأيام التي جمعتنا. بالأمس استفزني خبر عن صحة قينان وكان خبرا عائما لم يوضح تفاصيل الحالة، فجرت ذكريات غزيرة وتباطأت عندما تذكرت كيف أقيل الصديق قينان الغامدي من رئاسة تحرير جريدة الشرق لم تكن إقالته -لمن يعرفه- مفاجئة، ولم نحتج كأصدقاء له تقليب الاحتمالات التي أدت إلى استقالته إذ ألفنا ترحاله وتنقلاته على كراسٍ متعددة، فبعد أن ثبت دعائم مقدرته الصحفية في جريدتنا «عكاظ» حتى وصل إلى منصب نائب رئيس التحرير ثم انطلق نحو منصب الرئيس إذ بدأت هذه الرحلة بمحاولة مستميتة لإنقاذ جريدة البلاد، ثم مشاركا في تأسيس جريدة الوطن، وكانت جريدة الشرق آخر مراكبه التي تركها مبحرة تاركا كرسي قيادتها وغير ملم بالأسباب التي دعت لإخراجه من كبينة القيادة، مع علمنا جميعا -كإعلاميين- أنه تم استدعاؤه لرئاسة جريدة الشرق تيمنا بنجاحاته السابقة، وبحثا عن ربان يستطيع أن يزاحم بسفينته بقية السفن المتقدمة. وقد زاملت قينان منذ أن كان مراسلا للجريدة (من الطائف) يبعث بمواده الصحفية للقسم الثقافي، فيوكل إلي مهمة إعدادها للنشر، فأعبث بمواده تقديما وتأخيرا وإلغاء وإضافة (كما هو حال تعامل المطبخ الصحفي مع مراسلي المناطق) مع أن قينان متمكن في لغته وأسلوبه وصياغته إلا أن مزاجية من يكون في المطبخ ورغبته الجامحة في ترك بصمته على المادة التي بين يديه تجعل كل خبر أو استطلاع غير مستساغ ما لم يحمله (نفحة من نفسه)، هذا الاضطهاد الذي مارسته على مواده الصحفية سرعان ما اقتص لنفسه، فمع انتقاله للجريدة وتعيينه مديرا للتحرير (ترافقه حفاوة زائدة حظي بها من رئيس التحرير الدكتور هاشم عبده هاشم) غدا قينان مشرفا على القسم الثقافي، وكل من في القسم تابع لإدارته، ولم تكن موادي تعبر من بين يديه إلا وهي ملطخة بالقلم الأحمر تعديلا وتصويبا...ثم اقترح أن أتناوب مع سعد الثوعي -رحمه الله- في كتابة مقالة للصفحة الثالثة بمعدل ثلاث مقالات أسبوعيا، ولم تكن تعبر مقالتي من بين يديه إلا وهي مثخنة من سيف قلمه الأحمر إلغاء وإضافة حتى أني اقترحت عليه أن توقع المقالة باسم: قينان خال.! وقينان شخصية ناجحة في عملها مخفقة في علاقاتها، وبسبب هذا الإخفاق سرعان ما تجده خارج منصبه، وهو شخصية غير مبالية بالمناصب، يغلب عليه الجانب التهكمي سواء كان رئيسا للتحرير أو مقتعدا كرسيا في مقهى، وكان قينان لا يعرف لماذا يقال هنا أو هناك، وآخر إقالة له من صحيفة الشرق حمله البعض لموقفه الناقد لجماعة الإخوان، يومها قلت إن معظم من جابه الإخوان سدد فاتورة خصومتهم مبكرا فقد سعوا إلى قطع أرزاق الكثيرين وإدخالهم في قضايا قضائية من خلال إلصاق التهم مع توفير شهود من أجل الإدانة أو الادعاء على خصومهم بأنهم خونة أو مخترقون مارقون وإن لم يقدروا على الإيذاء المباشر سخروا أفواه مريديهم للنيل من خصومهم بتشويه سمعتهم وإلحاق كل نقيصة بهم حتى أفقدوا الناس الثقة بمن تطاله ألسنتهم. وبعد أن ظهرت تلك الجماعة على حقيقتها وإعلان الدولة بأنها جماعة إرهابية، كنت أطالب بتكريم كل من وقف ضد هذه الجماعة -من وقت مبكر- تكريما لمساهمتهم في كشف أساليب الإخوان وطرقهم في إيذاء الوطن حتى ولو كان ذلك الإيذاء من تحت الطاولة.