لا يمكن لأحد أن يستشعر القيمة الحقيقية للأخوة كما يفعل من ولد وحيدا! تماما كما لا يمكن لك أن تدرك قيمة ذراعيك كما يفعل من ولِد دونهما! الحاجة والأهمية التي تشعر بهما أنت لن تشبه مطلقا الافتقار الذي يختبره هو منذ ولادته، ويظل ملازما له في كل لحظة من حياته حتى يصل للمحطة الأخيرة. لكن افتقاره ذلك أقل إيلاما من أن يولد بهما ثم يفقدهما! وذات الأمر ينطبق على الوحيد مهما كثر عدد أصدقائه! قد نختلف أنا وأنت في نبرة الجزم التي تغلف جملتي الأولى، لكن ألا نتفق في الفكرة إلى حد ما؟ وإن كنا نفعل، ألا تعتقد بأن العوز هو ذاته في العلاقة التي يفقد فيها الإنسان ذراعا أو أخا؟ أتمنى. لا أتحدث بعاطفية إن قلت بأن الأخوة ليست علاقة بسيطة أو مجرد قدر وجدنا أنفسنا نعيشه، وبأنها لم تكن يوما مشاركة غرف وأسرة أو تحايا عابرة في نهاية يوم طويل، ولن تتمثل في لحظات نجلس فيها كتفا إلى كتف لتناول وجبة دسمة أو تراشق الأسئلة المتعلقة بالحياة لأنه حق أو واجب، أو نؤدي فيه دورا في مسرحية يومية مملة لأننا نحمل اسم عائلة واحدة! إنها رباط إنساني مقدس ينتهي بعودة النفس المطمئنة إلى خالقها، وإحساس حميم وعميق جدا بالأمان والامتنان. إنها اليقين المتجدد والعهد الموثق الذي تسمعه روحك وتراه عيناك في أفعاله التي تقول: اطمئن، لأنك لن تواجه أي شيء في هذه الحياة وحدك مادمت أتنفس! فأنا هنا من أجلك وسأظل دوما، أولسنا إخوة! لكن سأصدقك القول يا قارئي العزيز في نقطة مهمة، وهي أننا نختبر برودا قاسيا في علاقاتنا باختلاف أنواعها – فقد أصبح الأمر مجرد روتين لا أكثر - حتى بات ذلك البرود يخنق تلك العلاقة الجميلة التي نحتاجها للاستمرار والصمود أمام تقلبات الحياة! فنحن ننسى على الدوام أن علينا مسؤولية الشد حين يرتخي حبل الود، والصبر حين يشتد الجفاء، ونثر الحب بكلماتنا ولمساتنا! أختم مقالي بقصة سهيل. ذلك الشاب الثلاثيني الذي قضى حياته مع ثمانية إخوة وشقيقتين كانت حصيلة ارتباطات والده المتعددة. وحين أصيب بفشل كلوي حاد وأصبح بحاجة لمتبرع، لم يقبل أي من إخوته منحه الكلية! إلا واحدا وافق على مضض لكن أنسجته غير المتوافقة حالت دون ذلك! لكن حظ سهيل السعيد دفع بصديق طفولته للعودة لقضاء إجازة قصيرة في أرض الوطن، ليكون المنقذ! وصدق من قال: «إخوان الوِداد أقرب من إخوة الوِلاد».