• تابعت مثل كثير من المواطنين ذلك التقرير المشين.. وتلك النتائج البلهاء التي خلص إليها ونشرت في هذه الجريدة، في ظل ظروف تحريرية مختلفة. • إن الوحدة الوطنية التي أرسى قواعدها المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه أضحت أنموذجا رائعا صنفها المصنفون بأنها أعظم وحدة وطنية. ولقد كانت الدولة أيدها الله بالمرصاد لأي محاولة تشق صفوف الأمة وتعرض بأحد مكوناتها فجاء الرد سريعا وحازما وحاسما فلا مكان بيننا لدعاة الفرقة. وقرأت كثيرا من ردود الأفعال التي كانت في مجملها مستنكرة لذلك التقرير ونتائجه.. مؤكدة على أرض جيزان وإنسانها.. إنني هنا أنظر إلى الأمر من زاوية أخرى.. فلقد نعم بحب جيزان وأهلها كثير من القادمين إليها لأسباب مختلفة إما للدعوة ونشر صحيح العقيدة أو لطلب رغد العيش.. ولم تخيب ظنهم فأعطتهم الكثير. ولأنني من أبناء الوافدين إلى أحضان جيزان سواء من ناحية الأب الذي كان مأمورا لمرفأ فرسان حينذاك أو من ناحية الجد للأم الشيخ إبراهيم بن إبراهيم النجدي التميمي.. هاجر من قريته «حوطة بني تميم» واستقر به المقام في جزيرة فرسان تلك الجزيرة الحالمة التي ولدت فيها وتابعت دراستي الابتدائية والمتوسطة في جيزان بعد نقل والدي رحمه الله إليها.. فقد أحب فرسان وأهلها وتزوج منها ورزقه الله الذرية الصالحة إن شاء الله.. حيث مارس تجارة اللؤلؤ وكان واحدا من أشهر تجاره. كان يذهب باللؤلؤ إلى الهند عبر البحرين مرتين في العام يبيع ما أفاء به الله عليه فقد شيد مسجدا باسمه لا يزال حتى اللحظة يؤدي دوره كواحد من اشهر جوامع الجزيرة وأحضر له العمالة الماهرة من الهند ولقد رأيت «البورسلان.. والزجاج الملون المعشق والسيراميك» منذ أكثر من ستين عاما.. لقد كان فخما في البناء والتشطيب.. ويزوره الآن كل زائر ليشاهد روعة البناء. إن مسجد النجدي علامة ومنارة للتنوير فقد كان يؤدي رسالته في نشر صحيح العقيدة ودرس بعد العصر وصلاة المغرب لتنوير الناس.. وعندما تقدم به العمر اقتصرت تلك الدروس على أهل بيته فقد كان يجمعنا رحمه الله لتبصيرنا بأمور ديننا ودنيانا.. ولذا فإن بناته جميعهن يحفظن القرآن الكريم غيبا.. فمدارس البنات لم تنشأ حينذاك. هذا نموذج لشريحة كبيرة ممن وفدوا إلى جيزان سواء من نجد أو الحجاز.. لقد سألته ذات مرة.. كيف غادر قريته «حوطة بني تميم» وخلف وراءه الأهل والأصدقاء.. فقال لي: لا يمنعنك خفض العيش في دعة نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكل بلاد ان حللت بها أهلا بأهل وأوطانا بأوطان وسرد علي الكثير من القصص التي زادته تمسكا بهذه الجزيرة الحالمة وإنسانها الطيب المضياف طيب القلب.. نقي السريرة جميل المعشر صادق للوعد.. وفي بالعهد.. عندها أدركت أن عبقرية المكان هي صدى لعبقرية الإنسان.. لقد أحب تلك الجزيرة وهو القادم من الصحراء.. لقد أحب الإنسان.. فتزوج منها ورزقه الله المال والبنون.. ولم يغادرها حتى توفاه الله.. لقد كان في مقدوره ماليا أن ينتقل إلى مدينة أكثر تقدما ويعيش عيشة رغدا.. ولكنه لا يطيق البعد عن إنسان تلك المنطقة لما وجده فيه من خصال. لذا فإن جيزان ليست عزيزة على أبنائها فقط.. ولكن كثيرين هم من مروا بها واستوطنوها لم يدر بخلدهم يوما أن يبرحوها.. يحضرني على سبيل المثال لا الحصر عائلات من نجد والحجاز مرت بجيزان ولم تسل أهلها فعادوا إليها للإقامة بعد انتهاء حياتهم الوظيفية أو استقروا بها. الداعية الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله.. حمد وعبدالله البسام.. عبدالله العبيد.. عبيد النودلي.. الخراشي.. عبدالعزيز القصيبي وإخوانه.. البيحي، الوبيان، المقبل، ومن الحجاز عثمان شاكر.. إسماعيل عوض الحربي، عبد الرحيم مفرج. لقد وجدوا جميعا في جيزان الحضن الدافئ والأرض المعطاء والإنسان الإنسان. هذه جازان التي أعرف أحن إليها كثيرا وأزورها قليلا «ليس عقوقا» وأجدها في كل مرة أكثر وفاء وأبهى جمالا وأكثر تسامحا.. هي مدينة لا تشيخ فلم يترك الزمن على جبينها تجاعيد.. لأن لها قلبا كبيرا يتسع ويستوعب حتى الجاهلين!.. أما التقرير سيئ الذكر.. فأقول لكل من شارك فيه.. أيها الخجل أين حمرتك.