في إطار التحولات الاقتصادية الكبرى التي تقودها المملكة ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، أُقيم مساء أمس لقاء قادة الرأي والكتّاب المصاحب لانعقاد النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي، بحضور ومشاركة نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين المهندس خالد بن صالح المديفر، وذلك في سياق توجه الوزارة إلى توسيع دائرة الحوار المعرفي حول قطاع بات يُعد اليوم من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيرًا في مستقبل الاقتصاد الوطني. وجاء اللقاء، الذي عُقد قبيل انطلاق أعمال المؤتمر خلال الفترة من 13 إلى 15 يناير 2026، تحت شعار «المعادن... مواجهة التحديات لعصر تنمية جديد»، ليشكل منصة فكرية مفتوحة جمعت نخبة من الكتّاب والمحللين والإعلاميين، لمناقشة التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعدين، ودوره المتنامي بوصفه ركيزة ثالثة للاقتصاد الوطني إلى جانب النفط والبتروكيماويات. التعدين في قلب التحول الاقتصادي تناول اللقاء مستجدات قطاع التعدين في المملكة، وما يشهده من تطور نوعي مدعوم بإطار تشريعي وتنظيمي حديث، وبرامج استكشاف واسعة، واستثمارات متنامية في البنية التحتية وسلاسل القيمة الصناعية. وأكد المهندس خالد بن صالح المديفر أن قطاع التعدين بات أحد أهم محركات التنويع الاقتصادي، مستندًا إلى موارد معدنية واعدة تُقدر قيمتها بأكثر من 9.4 تريليونات ريال، إلى جانب بيئة استثمارية جاذبة عززت ثقة المستثمرين المحليين والدوليين. وأشار المشاركون إلى أن المملكة انتقلت في هذا القطاع من مرحلة الإمكانات الجيولوجية إلى مرحلة الفعل الاقتصادي، عبر تسريع وتيرة الاستكشاف، وتوسيع المساحات المخصصة للتعدين، وإصدار أعداد متزايدة من الرخص التعدينية، إضافة إلى برامج تمكين وتمويل أسهمت في تحويل الاكتشافات إلى مشاريع قابلة للتطوير الصناعي، بما يعزز مساهمة القطاع في الناتج المحلي ويحقق أثرًا اقتصاديًا طويل الأمد. أرقام تعكس نضج القطاع وتسارع النمو وتزامن النقاش الفكري مع مؤشرات أداء تعكس حجم التحول الذي يشهده القطاع، إذ أظهرت البيانات أن عدد رخص التعدين الصادرة خلال عام 2025 بلغ 59 رخصة، مقارنة ب 19 رخصة في عام 2024، بنسبة نمو بلغت 211%. كما ارتفع إجمالي المساحات المرخصة إلى نحو 645 كيلومترًا مربعًا خلال عام 2025، مقابل 26 كيلومترًا مربعًا في العام السابق، محققًا نموًا استثنائيًا بنسبة 2,381%. وفيما يخص رخص الاستغلال السارية، بلغ عددها 273 رخصة، تغطي مساحة إجمالية تُقدّر ب 2,702.5 كيلومتر مربع، شملت خامات تعدينية متنوعة، من أبرزها: الفوسفات، الذهب، الزنك، النحاس، البوكسايت، الدولوميت، السيليكا، والحديد، ما يعكس تنوع القاعدة المعدنية للمملكة وقدرتها على دعم سلاسل قيمة متعددة. تمكين المرأة... بعد إنساني في اقتصاد المعادن وفي موازاة النمو الاستثماري والتنظيمي، برز تمكين المرأة في قطاع التعدين كأحد المحاور الرئيسة للنقاش، في تأكيد على أن تطوير القطاع لا ينفصل عن بناء رأس المال البشري. وفي هذا الإطار، جرى الإعلان عن إطلاق جمعية المرأة في التعدين كخطوة مؤسسية تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة السعودية في هذا القطاع الحيوي، بما يتوافق مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. وتهدف الجمعية إلى توفير بيئة تطوير مهني مستدامة، ودعم وتمكين الكفاءات النسائية، وتشجيع البحث والابتكار في مجالات التعدين، إضافة إلى بناء شبكة تواصل فعّالة تجمع النساء العاملات والمهتمات بالقطاع، بما يسهم في رفع جودة الممارسات المهنية وتعزيز التنافسية. وأكد المشاركون أن هذا التوجه يعكس تحولًا أعمق في فلسفة التنمية، يقوم على إشراك المرأة بوصفها شريكًا فاعلًا في صناعة المستقبل الاقتصادي، وليس مجرد عنصر داعم، بما يعزز البعد الاجتماعي للتنمية إلى جانب العائد الاقتصادي. استثمارات نوعية وربط التعدين بالصناعة وناقش اللقاء التوسع في المشاريع التعدينية وبناء مدن تعدينية وصناعية متكاملة، مثل رأس الخير ووعد الشمال، التي أصبحت نماذج عملية لرفع القيمة المضافة للموارد المعدنية وربط التعدين بالصناعة التحويلية. وفي هذا السياق، قُدّرت الاستثمارات المتوقعة لتشغيل المناجم من الفئة (أ) – وعددها 16 رخصة – بنحو 43.5 مليار ريال سعودي، ما يعزز دور القطاع في دعم سلاسل الإمداد الصناعية، وتوليد فرص العمل، وتعظيم الأثر الاقتصادي المحلي. بعد عالمي وسلاسل إمداد استراتيجية وسلط الحضور الضوء على البعد العالمي لقطاع التعدين في ظل تصاعد التنافس الدولي على المعادن الحرجة، واضطرابات سلاسل الإمداد، والتحول المتسارع نحو الطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة. وأكدوا أن المملكة استطاعت أن تفرض حضورها بوصفها طرفًا فاعلًا في صياغة الحلول، من خلال الشراكات الاستراتيجية، ومبادرات التمويل، وبناء الأطر التنظيمية والمعايير المرتبطة بالاستدامة وحوكمة سلاسل الإمداد. وأشار المشاركون إلى أن مؤتمر التعدين الدولي لم يعد منصة حوار فقط، بل تحول خلال نسخه الأخيرة إلى سوق عالمي للشراكات والاستثمارات، بعد أن أسهم في توقيع اتفاقيات تجاوزت قيمتها 182 مليار ريال، ما عزز موقع المملكة كمركز عالمي للحوار وصناعة القرار في قطاع المعادن. حين يصبح التعدين مشروعًا حضاريًا وأكد اللقاء أهمية البعد المعرفي والإعلامي في دعم السياسات الاقتصادية، ودور النخب الفكرية والإعلامية في قراءة التحولات الاقتصادية وتفسير أثرها، وربطها بالسياق الاجتماعي والإنساني، مشددين على أن قطاع التعدين لا يُقاس بالأرقام والمؤشرات فقط، بل بقدرته على إعادة تعريف العلاقة بين الموارد والتنمية والإنسان. وشكل لقاء قادة الرأي، بحضور نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين، إضافة فكرية نوعية للمشهد المصاحب لمؤتمر التعدين الدولي، عكست توجه المملكة نحو إشراك العقول والمرأة معًا إلى جانب الاستثمارات، في مرحلة بات فيها التعدين أحد مفاتيح الأمن الاقتصادي وسلاسل الإمداد العالمية.