بدأ القاطنون في المناطق العشوائية من الجاليات المتعددة الجنسيات في البحث عن بدائل للإسكان بعد البدء في تنفيذ المشاريع التطويرية لتصحيح الوضع في مكةالمكرمة، وفق رؤية تطويرية توثق تاريخ الأرض الطاهرة، تحيي وجهها المعماري الفريد بما يواكب مكانتها العظيمة في نفوس المسلمين، حيث ارتفعت وتيرة التطوير لتقضي على غوغائية البناء العشوائي التي شيدت في الظلام وغابت عنها الرقابة ورؤية التخطيط، فتلك الأحياء تعيش هذه الأيام حلم التطوير، بعدما ظلت ردحا من الزمان الملاذ الآمن لأبناء الجاليات. مرحلة تطوير العشوائيات وضعت أسسا نموذجية ليس من أجل القضاء على العشوائيات فقط، بل لوضع لبنات عمرانية فريدة حددت ملامح مرحلة التطوير، انطلاقا من صرف التعويضات لملاك العقارات المنزوعة، وتأمين الإسكان البديل لقاطني تلك الأحياء العشوائية التي طالتها مشاريع التطوير، والتخطيط لبناء أحياء تواكب الزيادة المضطردة في عدد الحجاج والمعتمرين عاما بعد آخر، وحصر سكان المناطق العشوائية من مواطنين ومقيمين ووضع التنظيمات النظامية لإقامة الجاليات، حيث سيساهم مشروع الطريق الموازي في القضاء على الأحياء الواقعة في مسار الطريق، وستدخل جميعها ضمن التطوير الشامل لمشروع طريق الملك عبد العزيز. «عكاظ» وقفت في جولتها الميدانية على واقع مرير تشهده أحياء دخلت قاموس «العشوائية المفرطة»، فكل ما يحيط بها يسير في الاتجاه المعاكس، فالبناء عشوائي والطرق ضيقة تتوقف فيها حركة السير لساعات طويلة والخدمات غائبة لصعوبة التعامل مع المساكن المخالفة لأنظمة البناء، وامتدت المخالفات لتشمل كل مفاصل تلك الأحياء، فالقاطنون فيها إما مخالفون لأنظمة العمل والإقامة أو هاربون من يد العدالة، أو أنهم من المقيمين إقامة نظامية لكنهم مخالفون في بناء المساكن العشوائية، والمحال التجارية غالبيتها غير مرخص لها بالبيع أو ممارسة التجارة، والأزقة والأرصفة يفترشها الباعة الجائلون من رجال وسيدات وأطفال، يبيعون الممنوع، ويتاجرون في كل ما يمكن بيعه أو شراؤه. سوق الحرامية يقول فيصل الجهني، الذي التقته «عكاظ» في شارع جرهم، «ما تبحث عنه بالتأكيد ستجده هنا، هل تريد خادمة أو سائقا لمنزلك، دون عناء الذهاب لمكاتب الاستقدام وانتظار التأشيرة، فقط ما عليك سوى زيارة خاطفة تقوم بها لأحد هذه الأحياء، لتحصل على مبتغاك دون تعب». وأضاف، بأن المسروقات بمختلف أنواعها وأشكالها خصص لها المخالفون سوقا أطلقوا عليها فيما بعد «سوق الحرامية» وتقع في شارع المنصور. وأشار محمد الشريف إلى أن المخالفين لأنظمة العمل والإقامة تكاثروا بسبب الأحياء العشوائية التي لا تخترقها الشوارع، معتبرا أن القضاء على الأحياء العشوائية ينعكس على انخفاض نسبة الجرائم التي تخلفها العشوائية بصورة إيجابية. سطو وسرقات يقول العم مبارك الحربي، من سكان حي الهنداوية، «خلال سنوات طويلة جاورنا أبناء الجالية الأفريقية فلم نر منهم إلا كل خير وحسن الجوار، فهم متمسكون بالتعاليم الإسلامية وملتزمون بالأنظمة والتعليمات، لكن الحاجة دفعتهم إلى تشييد المساكن المخالفة والبيع على الأرصفة وأمام إشارات المرور». وأضاف، «لكن هناك بعضا من أبناء الجالية وخاصة في السنوات الأخيرة ارتكبوا جرائم سطو وسرقة وجرائم أخلاقية دفعت بالجالية إلى رفض هذا السلوك، ولكن هذه التصرفات يتحملها المذنب سواء كان مواطنا أو مقيما»، مشيرا إلى مشاركة أبنائه في برامج توعوية نظمت في الحي، حيث عملت الجالية الأفريقية في السنوات الأخيرة على تفعيل برامج التوعية الأمنية بالتعاون مع شرطة العاصمة المقدسة لتوعية أبنائها بالسلوك الحضاري وعدم ارتكاب الجرائم أو الوقوع في محاذير أمنية وقضايا تتسبب في إبعادهم عن البلاد، والتعريف بالقرارات الأمنية، وتوعية أفراد الجاليات من عواقب بعض المخالفات التي يترتب عليها جزاءات رادعة تصل للترحيل مع جميع أفراد الأسرة، وإقامة محاضرات عن مكانة وقدسية مكة، وهدفت الحملات التوعوية إلى القضاء على المظاهر السلبية في المجتمع كحوادث السرقة، والتسول، والبيع عند الإشارات المرورية، وشاركت عدد من الجهات في الحملة الأمنية التوعوية، الشاملة لتوعية الجاليات الأفريقية، ما ساهم في انخفاض معدل الجريمة بشكل كبير داخل أنحاء الحي. مطالب تعليمية وطالب محمد ومازن هوساوي بفتح المجال أمام أبناء الجاليات لإكمال تعليمهم في المدارس الخيرية لدمجهم في المجتمع، والعمل على توظيفهم لتقليل نسب البطالة، التي تتسبب في وقوع الكثير من الجرائم، حيث إن أبناء الجالية من المقيمين إقامة دائمة من مواليد المملكة يؤكدون حبهم وانتماءهم لهذا الوطن». وأضافا «ما المانع في إنشاء مكتب خاص لتوظيف أبناء الجاليات والاستفادة من معرفتهم لعادات وتقاليد المجتمع، ورغبتهم في المشاركة في برامج التطوير والمشاريع الخدمية في الأعمال الموسمية وأعمال النظافة والصيانة، والعمل على إطلاق جمعية تعاونية خيرية لكفالة الأيتام والفقراء ورعاية الأرامل والأيتام. مشاريع تطويرية وقال المهندس محمد القناوي مدير شركة أم القرى المطورة لمشروع الطريق الموازي، «مشروع الطريق الموازي سيؤمن شققا سكنية للأسر المحتاجة، لحين تأمين مساكن بديلة وهذا من شأنه تعزيز الثقة بين ملاك العقارات المنزوعة لصالح المشروع وسكان المساكن العشوائية»، معتبرا أن مشروع طريق الملك عبد العزيز يمر عبر ستة أحياء عشوائية ويربط الطريق السريع بالمنطقة المركزية مباشرة، ويهدف إلى تطوير المنطقة والقضاء على بؤر العشوائيات، وسيشهد بناء معماريا فريدا من نوعه يحمل مواصفات عالمية، من شأنه أن يحول المناطق العشوائية إلى أحياء نموذجية غاية في التنظيم تحمل طرازا عمرانيا يحاكي مكانة مكةالمكرمة وقدسيتها. وأضاف، «الجهات التنظيمية والتنفيذية وضعت أسسا سليمة لتطوير الأحياء العشوائية تراعي كل المتطلبات التي ستساهم في تطويرها». حملات أمنية وأوضح الناطق الرسمي لشرطة العاصمة المقدسة الرائد عبد المحسن الميمان، أن «المشاريع التطويرية المستقبلية ستقضي على العشوائيات التي تشهد تنامي الجريمة بشكل كبير، وتكاثر أعداد الجاليات من جنسيات متعددة، ونطمح أن تقضي المشاريع التطويرية على سلبيات الأحياء العشوائية، ففتح الطرقات وإنارتها لها تأثير إيجابي في الجانب الأمني والوقائي». وأضاف، «شرطة العاصمة المقدسة تنفذ حملات أمنية مجدولة تشمل جميع الأحياء والمخططات في مكةالمكرمة، لضبط الحالات الجنائية والظواهر السلبية، ويتم تسليم المقيمين والمخالفين لأنظمة العمل والإقامة لإدارة الترحيل لتطبيق الأنظمة والتعليمات بحقهم». واعتبر أن الحملات التوعوية للجاليات في مكة ينظمها مشروع تعظيم البلد الحرام كونه يهتم بالجاليات، والشرطة تشارك في التوعية في ما يتعلق بالجوانب الأمنية والتي حققت نتائج إيجابية وأوضحت مدى تفاعل الجاليات مع مثل هذه الانشطة التي تساهم في رفع الوعي الأمني لدي أبناء الجاليات. لافتا إلى أن «التوعية الأمنية لا تعني بالضرورة تسجيل ارتفاع في نسبة الجرائم بل تأتي كبرامج وقاية من جانب الشرطة للاهتمام بالمواطنين والمقيمين على حد سواء».