الدولار يستقر قبيل اجتماع البنك المركزي الأمريكي    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث الفرص المشتركة في صناعتي الطيران والأقمار الصناعية مع قادة شركة "إيرباص"    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    في حال استمرار دعم الغرب لأوكرانيا ب"باتريوت".. موسكو تحذر من تراجع فرص السلام    غزة.. المجازر تتصاعد والمجاعة تقترب    الهند وباكستان تصعّدان وتتبادلان قصفاً على الحدود    في ختام الجولة ال 30 من دوري روشن.. كلاسيكو يجمع النصر والاتحاد.. ومهمة قصيمية للهلال والأهلي    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    «متلازمة داون».. تمكين ومشاركة مجتمعية    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    8.4 مليار تمويل سكني    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    تدريبات جوية صينية - مصرية    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    انتعاش الناتج الإجمالي النفطي لدول الخليج في 2026    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب المسجد الحرام: من علو النفس وكرامتها أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً
نشر في عكاظ يوم 14 - 06 - 2019

أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، أن شريعة الله تعالى جاءت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بتيسير الزواج، وتسهيل طريقه، ونهت عن كل ما يعوق تمامه، ويعكّر صفوه، فخير متاع الدنيا، الزوجة الصالحة، التي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا زَوجُهَا أسَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ، والزواج ميثاق غليظ، يبدأ في الحياة الدنيا، ويستمر في الآخرة، بفضل الله ورحمته وكرمه، قال تعالى ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ).
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام : " لا شك معاشر المؤمنين، أن السعادة الزوجية، مطلب نفيس لكل زوجين، ورجاءٌ يرومُهُ كل عروسين، فبها تصلح حياتهم، وفي حالٍ من المحبة والوئام، ينشأُ أبناؤهم، ولا يكون ذلك إلا بحسن العشرة، وطيب المعاملة، والرفق والرحمة، استجابة لأمر الرب سبحانه إذ يقول ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) فالعِشرةُ بالمعروف : هي المخالطة بكل ما عُرِفَ بالشرع حَسَنُه، بحسب القدرة، من طيب الأقوال، وحسن الهيئات والأفعال.
وبين فضيلته ، أن من حسن العشرة بين الزوجين، التَّعَاوُنُ فيما بَيْنَهُمَا، في القيام بأمر الدين والدنيا، وهكذا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد، لما سُئِلْت عَائِشَة رضي الله عنها، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ : نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ"، وكذلك كانت سيرة الصحابة من بعده، في معاونة الزوج لشريكته، لمّا أُتي للنبي صلى الله عليه وسلم بسبي، قَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنهم جميعا: "وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ - أَيِ استَقَيْتُ مِنَ البِئْر- حَتَّى لَقَدِ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، قَالَ : وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ أَبَاكِ بِسَبْيٍ، فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ، فَقَالَتْ : وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، أَي: طحنت حتى تَقَرَّحَتْ يداي"، رواه الإمام أحمد في مسنده، فلا ينبغي لأحد الزوجين أن يستنكف عن خدمة شريكه، ولا أن يتخلى عن جانب مسؤوليته، ولا أن يمتنّ أحدهما على صاحبه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي . رواه الترمذي.
وأضاف أن من مظاهر حسن العشرة، مُرَاعَاةَ كلا الزوجين لِحال الآخَرِ، وَالعَمَلَ عَلَى إِزَالَةِ أَسْبَابِ الهَمِّ والغم، والمبادرةَ بإدخال الفرح والسرور، ففي الصحيحين، لما نزل الوحي، على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )، رَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ : ( زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي )، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ : لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ، فقال : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسى.
وأكد الدكتور المعيقلي أن من العشرة بالمعروف، أن لا يضيّق الزوج على زوجته في النفقة، في حال السعة، وأن يساويها بنفسه في المعيشة والسكنى، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنّ ) ، فَأَولَى النَّاسِ بِالإِنْفَاقِ عَلَيْهِمُ، هم أَهلُك وخاصتك، والنفقة عليهم ليست من المستهلكات الضائعة، بل هي من الصدقات الباقية، وَقد عَظَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم أَمْرَهَا، وَضَاعَفَ أَجْرَهَا، ففي صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا، الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ . وفي المقابل، لا يجوز للزوجة، تَكْلِيف زوجها بِمَا لا يَستَطِيعُ مِنَ النَّفَقَة، وخاصة إِذَا كَانَتِ المَطَالِبُ من الكَمَالِيَّات وليست من الضَرُورِيَّات، وَقَدْ قَرَّرَت الشريعة، حُدُودَ النَّفَقَةِ عَلَى قَدرِ الاستِطَاعَةِ، فقال اللهُ تَعَالَى ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
وقال فضيلته : إن من علو النفس وكرامتها، أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً، إلا برضاها وطيب نفسها؛ فمالُها مِلْكٌ لها، ولكن إذا كان الزوج ذا حاجة، والله تعالى قد منَّ على زوجته بفضل من مال، فإن من العشرة بالمعروف، أن تعين زوجها، بما تفضل الله تبارك وتعالى عليها، ففي يوم عيد الفطر أو الأضحى، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وقالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ . فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، جَاءَته زَيْنَبُ، امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم جميعا، تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَأُذِنَ لَهَا، فقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ اليَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ . وفي الرواية الأخرى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ . رواه البخاري ومسلم.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن مِنْ أَهَمِّ خِصَالِ حُسْنِ العِشْرَةِ، ثِّقَةَ كل طرف بالآخر، ولا بَأْسَ فِي الغَيْرَةِ المُعتَدِلَةِ، بل هي من كرائم المروءة، ودليل على المحبة، وفي الحديث الصحيح: إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ . وَلكن البَأْسَ يا عباد الله، فِي الغَيْرَةِ الزَّائِدَةِ المُفْرِطَةِ، التي تؤدي إلى سوء الظن، فَتُؤَّلُ كلُّ كَلِمَةٍ بَرِيئَةٍ، أَوْ حَرَكَةٍ عَابِرَةٍ، تَأْوِيلاً سَيِّئًا، يتعكّر بها صَفْوُ العِشْرَة، ويَنهَدِمُ بها بيت الزَّوْجِيَّة، وقد قال علي رضي الله عنه: لَا تُكْثِر الْغَيْرَةَ عَلَى أَهْلِكِ، فَتُرْمَى بِالشَّرِّ مِنْ أَجلِك. وَإن مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ ، المُحَافَظَةَ عَلَى أَسْرَار الزوجية، فإن العلاقة بين الزوجين، هي علاقة بين المرء ونفسه، (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)، فالأَسْرَارُ الزَّوْجِيَّةَ، تَحُوطُهَا الشريعةُ بِالكِتْمَانِ، وأما إذَاعَتُها وَإِشْاعَتُها، فهي خيانة عَظِيمة، تجعل صاحبها في أشر المنازل يوم القيامة، ففي صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا .
وتابع الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي يقول : إن مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ، التَّرفِيهُ عَنِ الزَّوْجَةِ، بِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهَا السُّرُورَ والسعادة، ومن نظر في سِيرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما كان يحمله من أعباء النبوة، وجد في سيرته، الكَثِيرَ مِنْ مَظَاهِرِ التَّرفِيهِ، وَالتَّرْوِيحِ عَنْ نِسَائِهِ، ففي مسند الإمام أحمد، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَأَنَا جَارِيَةٌ، لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي : تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ : هَذِهِ بِتِلْكَ.
وخاطب إمام وخطيب المسجد الحرام الزوج قائلاً : إن الثناء على الزوجة، في الزينة والمأكل والملبس، مفتاح لقلبها، وطريق لحبها، وتذكر أن من كَرُمَ أصله، لان قلبه، وكن لزوجتك كما تحب أن تكون هي لك، فإنها تحب منك كما تحب منها، وفي مصنف ابن أبي شيبة، يقول ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: يُعجبنِي أَن يكون الرجل فِي أَهله كَالصَّبِيِّ ،فَإِذا بغى مِنْهُ وجد رجلا، أي : إِذا طُولِبَ بِمَا لَا يجوز فِي الْحق، وجد صلبا فِي دينه.
وأبان أن من محاسن القول والعشرة، أن يصرح كلٌّ من الزوجين، عن حبه لصاحبه، وأن يظهر التودّد له بفعله مع قوله، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، لما سُئل: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ : "عَائِشَةُ"، رواه البخاري ومسلم، وعَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ : كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ - وهو العظم الذي عليه بقية من لحم - ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، وكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، رواه مسلم.
وقال فضيلته معاشر المؤمنين : مهما حرص الأزواج على المعاشرة بالمعروف، إلا أنه لابد من النقص والعثرات، وحصول شيء من الخلافات، فليصفح كل من الزوجين عن ذلك، وليكن ديدن كل منهما، التسامح والعفو عن الهفوات والزلات، فمن حُوسِبَ على الجلل، عجز عن الكل، وحسن الخلق بين الزوجين من أمارات الإيمان ، فأَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ، فعلى الزوجين، أن يستحضرا المقاصد السامية، في الحياة الأسرية، من التعاون على البر والتقوى، وحصول الإعفاف لكل منهما، وليتذكرا قول الرب جل وعلا : (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ), وعلى كل منهما، ألا يسترسل مع شريكه في وقت الغضب، وألا يحبس نفسه على الجانب الذي يسوؤه منه، بل يجب أن يتذكر جوانب الخير الأخرى، ولن يُعدم ما تطيب به نفسه، من حسن سيرته وطِيب شمائله، وسابق معروفه، وذلك في حق الرجل أوجب وآكد، ففي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً - أي: لا يبغض مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً -، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ، ولقد كان صلى الله عليه وسلم، من عظيم خُلُقِه، يصبر على صدود نسائه، ففي صحيح البخاري : وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليَوْمَ حَتَّى اللَّيْل. ومن لطائف هذا الباب، ما ذكره الإمام البخاري، أَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ إلى بَيْتِ فَاطِمَة، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ : أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟، قَالَتْ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ : انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟، فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ : قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ.
والأصل أيها الأزواج، أن الحياة الزوجية، تُبنى على تقوى الله عز وجل، ولهذا لا يوجد في القرآن كله، كما جاء في سورة الطلاق، من حث على التقوى، وترغيب لما هو أتقى، في معاملة الزوج لزوجه، فمن امتثل أمر القرآن، يكفر الله عنه سيئاته، ويعظم له أجره، ويجعل له من أمره يسرا، ويجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً.
وأوضح الشيخ المعيقلي أنه إذا صلحت النيَّات، وسارِعت النفوس إلى الخيرات، وأدَّت الواجِبات، عمّت السعادةُ وحلّ التوفيق، ومن لزِمَ الدعاءَ، وأخلصَ لله الرجاء، فلن يُخيِّب الله أملَه، ولن يُضيِّعَ عملَه، ومن شواهد ذلك في كتاب الله، ما امتنّ به سبحانه، على نبيه زكريا عليه السلام : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وقال فضيلته : فيا أيها الزوجان: صِلا ما بينَكما وبين الرحمن، يصِل الرحمن بينَكما، فكم من معصيةٍ فرقت أُسرًا سعيدةً، وكم من ذنبٍ بدلها حياةً شقية : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ), ومن أراد الحياةَ السعيدة، فليعمل بقول الرب سبحانه : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
وبيّن إمام وخطيب المسجد الحرام أن السكن والطمأنينة في العلاقة الزوجية، نعمة عظيمة، لا يقدرها حق قدرها، إلا من حرم لذتها، وقد نوه القرآن الكريم، بجلال هذه النعمة فقال : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، وهذا السكن يا عباد الله، هو الراحة والاستقرار والطمأنينة، والصحبة القائمة على المودة والرحمة، فتأنس الروح، ويرتاح الجسد، مع من يحبه الفؤاد، ويستريح معه، ويلتمس البشاشة والأنس بحديثه ولنعلم معاشر المؤمنين أن الحياة الزوجية، لا تقوم على الحبِّ فقط، وإن كانت بالحبِّ تُمَثِّل الصُّورة الْمُثلى، والمكانة الأسمى، ولكنها تقوم كذلك بالرحمة، بل إن الحبَّ ينشأ ويزداد، مع مرور الأيام، والعِشْرة الحسنة، فيجعل الله بين الزوجين، حنانا ودِفْأً، وسعادة وسرورًا، فحُسْن العشرة، وتبادل الحقوق والواجبات، كفيلانِ بإنشاء المحبَّة والرحمة بين الزوجين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.