الوطن - السعودية "لو مات الشيطان لما تغير شيء في طبائع الناس، سيستمر الكذب والخداع والنصب والتلاعب بالمشاعر، سيبقى كل شيء على ما هو عليه، مما يجعلهم يدركون أن شيطانهم منذ البدء كان منهم وفيهم" سائل يسأل: ماذا لو مات الشيطان؟ فقلت: الشيطان لا يزال على رأس العمل بدلالة "لو" في سؤالك، فأعرض عن هذا. فقال: فما تقول في قول الصديِق "لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا"؟ قلت: لنتجاوز "لو" فهي ليست محور الحديث، ثم أعد السؤال بصيغةً أخرى إني لك من الناصحين، فسأل السائل: ما الذي سيتغير إن مات الشيطان؟ قلت: بادئ ذي بدء، وحتى يأخذ سؤالك حقه من الشرح والتوضيح لا بد أن نستحضر قول الشيخ الشعراوي في أن: "الشيطان يذهب إلى المسجد ولا يذهب إلى الخمّارة، لأن من في الخمّارة شيطانه منه وفيه"، ثم لنُسقط هذا القول على المجتمعات الإنسانية، سيتضح لنا حينها أن الشيطان موجود طيلة يومه في بلاد المؤمنين، معرضا عن بلاد الكفار بما أن شيطانهم منهم وفيهم، ولعدم وجوده هناك جعلهم يقتنعون بأن أنفسهم الأمارة بالسوء هي مصدر كل خطأ، وبالتالي إن أخطأ أحدهم فسيعاقب بالقانون، أما في بلاد المؤمنين فالمخطئ غالبا لا يحاسب لأن المصدر هنا هو شيطان أحمر رجيم مرابط في بلاد المؤمنين بدوام كامل، حينها إن ضاعت بعض الحقوق العامة أو الخاصة فسيقال: عذرا، لم نستطع إحضار الشيطان الرجيم إلى قاعة المحكمة. لقد انشغل الكفار في بلادهم بمطاردة الفساد في كل دائرة ومؤسسة، بينما انشغل المؤمنون بمطاردة الشيطان من زقاق لزقاق لأنه سبب كل إخفاقاتهم، وهذه المطاردة طويلة الأمد أسفرت عن وجود مطاردين محترفين وهواة وعدائين خبراء، وهكذا أصبحت البضاعة الرائجة في بلاد المؤمنين قائمة على وساوس الشيطان ومكائده، فتخيل حال هذا المجتمع بلا شيطان؟ "ماذا سيتغير إن مات الشيطان؟" أول المتغيرات هي زيادة ملاحظة في أعداد البطالة، وذلك لوجود الكثير من الوظائف المعنية والمختصة بتفويت كل الفرص على الشيطان، والنخب المؤمنة جعلت من التصدي للشيطان عملية ضخمة، رغم كل هذا طلع الشيطان فعلاً "شاطر" كما يقولون، فها هو رغم كل هذا الجهد لا يزال يوسوس في المواطن ولا يزال يغويه على أكمل وجه.. طبعا هنا إن سألت: لماذا إذًا كل هذا المجهود واستنزاف الميزانية فيما لا طائل منه؟ فثق أنه لن يطلع عليك نهار إلا وأنت زنديق زندقة واضحة لا تشوبها شائبة. ثاني المتغيرات التي ستلاحظ، أنه لن يتغير شيء في طبائع الناس، سيستمرون في الكذب والخداع والنصب والتلاعب بمشاعر بعضهم بعضا، لن تزيد أعداد المصلين، لن يتحول الجميع إلى أولياء لله صالحين، سيبقى كل شيء على ما هو عليه، وهذا من شأنه أن يجعلهم يُدركون أن شيطانهم منذ البدء كان منهم وفيهم، سيدركون أن هنالك من صور لهم أن شيطاناً لعينا كان وراء كل هذا الفساد، وأن من صور لهم هذا أراد أن يفلت من العقاب لا أكثر، "ماذا سيتغير إن مات الشيطان؟" ستنقشع الغشاوة عن أعين المؤمنين. سيدركون أن الشيطان كان مصدر دخل بالنسبة للكثيرين، وأن وجوده كان يشعر الكثير من الموظفين بالأمان الوظيفي، سيدركون أيضا أنهم أضاعوا أموالاً كثيرة على الزيت والمسك والزعفران، وأضاعوا ما هو أغلى من المال أثناء تلقيهم للنفث والصفع، سيدركون أن "ص ط ق ب 9 م ي 4" مجرد خزعبلات لا معنى لها، إلا أن أناساً أقنعوهم أنه لا قدرة لدفع الأذى إلا عن طريق نفث النافثين وصفعهم وشراء منتجاتهم من زيت ومسك وزعفران بأغلى الأثمان.. إن محاربة الشيطان تجارة رابحة! ثم عاد السائل محدثا عن شيخ جليل كان يرقي الناس في الطرقات، ويزورهم في بيوتهم للتحصين ضد مكر الشيطان وخبائثه، وأنه -جزاه الله خيرا- لم يكن يشترط مبلغا نظير خدماته إلا إن كان المقابل مجرد هدية لها وزنها وقيمتها في السوق! إن أهل القرية كانوا يعملون في التجارة والزراعة والنجارة ورعي الأغنام، وبهذه الأعمال قد كونوا لهم مجتمعا بسيطا الكل فيه يؤدي خدمة، إلا شخصا كان يكره العمل الشاق فراح يمتهن بيع الوهم مقابل أغلى ثمن. وفي يوم راح هذا الشخص يتضرع إلى الله بأن يهلك الشيطان الرجيم ويريح العباد منه، فزاره الشيطان وهو يدعو وقال له: مهلا، إنك لا تُدرك عواقب هذا الدعاء، إن استجاب الله لك وأهلكني فعلا فلن تجد ما تصنعه وأنت لا صنعة لك إلا مطاردتي، أنا إن مت فستزول عنك كل المزايا، حينها ستضطر إلى أن تجد لك عملاً مفيدا، فقال: اطمئن يا لعين، بموتك لن يتغير شيء، فقد دخلت في كل التفاصيل حتى أصبحت ضرورة في حياتنا أكثر من كونك حقيقة.