الشرق -السعودية إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي كان لبنان مجرد مطبعة للمنوع ونساء حلوات وطبيعة فاتنة؛ يومها سميت بيروت بباريس الشرق وتقاطر المغرمون العرب بأموالهم إلى صخرة الروشة/ العشاق كي يتذوقوا نسائم الجبل وعطر الليالي، وعلى إثر تلك الفتنة الغاربة صنعت فيروز والرحابنة وفيلمون وهبي أسطورة لبنان العرب. بعد الحرب الأهلية تحول لبنان إلى قبضايات متصارعة تطارد بعضها في كل شارع، وكانت بيروت عبارة عن سلسلة متصلة من الكمائن والقناصة، ولكن ضد بعضهم بعضاً كما جرت العادة اليعربية كابراً عن كابر: (فجرني وأفجرك)!! الآن يشكل لبنان حالة مستعصية على الذوق العربي العام المتصالح مع اللغة والثقافة؛ لقد أصبحت فارس في كل جزء من بلاد الأرز، وها هو عون يطارد طواحين الهواء من القرداحة إلى الضاحية متشبثاً بحلم رئاسة يظن أنها ستأتي يوماً بتزكية وشفاعة من سيد المقاومة ومعلمه بشار؛ أما فيروز وعالمها اللبناني الجميل فقد رحلا إلى الأبد، وأخليا الساحة تماماً لأتفه سيارة مفخخة في مدن تتجه إلى الجنون بكاملها!! لبنان بلد جميل جداً لكن في الذاكرة فقط؛ أما الواقع فهو أسوأ مما تتخيلون، وقد سار سنين طويلة بسمعة الماضي الجميل الذي لن يعود أبداً، ولذلك سأستغرب وربما سأشعر بالغيظ إن كتب شاعر عربي حالم قصيدة حب في لبنان الفارسي هذه الأيام؛ إلا إن كانت على طريقة كوابيس بيروت للمبدعة غادة السمان!! لبنان إلياس الهراوي توازن نوعاً ما خلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، وها هو يثبت أن ذلك التوازن لم يكن إلا حالة نادرة في سياق ما بعد الحرب الأهلية. منذ رحيل رفيق الحريري لم تبق قصيدة واحدة عليها القيمة في بلاد الأرز؛ المقاومون بلعوا لبنان بمنتهى الحرفنة.. أخيراً، ألا يكفي أن فيروز لم تقف على أدراج بعلبك بعد الحرب الأهلية سوى مرة واحدة أو مرتين إحداهما في زمن الهراوي؟ لا قصائد في لبنان الآن تكفي الحالمين؛ بل كثير من الرصاص والسجاجيد الفارسية!!