لو رسمنا خريطة لمؤيدي النظام السوري، لوجدناها للأسف تتماثل مع التوزيع السكاني للأقلية الشيعية في العالم الإسلامي، تستثني من ذلك أصواتاً قليلة هنا وهناك أصدرت بياناً للمثقفين الشيعة في لبنان، أو منشقين عن «حزب الله» خرجوا على الفضائيات العربية يقولون إن الحزب لا يمثلهم، ويعبّرون عن قلقهم من جر الطائفة إلى صراع طائفي يتخوفون أن يدفعوا ثمنه لاحقاً في محيط سني أكبر يمثل غالب الأمة. هذه الاستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها. على أطراف هذه البقعة الممتدة من إيران والعراق ولبنان الشيعيَين توجد بقع صغيرة لا تكاد ترى أو تسمع في العواصم العربية لمثقفين قوميين، أو سياسيين ناصريين، وبعثيين يظهرون تأييداً لبشار الأسد، ويكررون نظرية المؤامرة الأميركو - صهيونية التي تستهدف قلعة الممانعة والجيش العربي الأخير، وهم مثل الأصوليين الشيعة الذين يقودون عموم أبناء الطائفة إلى تأييد النظام، لا يرون «لافتة الحرية» الواضحة الجلية الهائلة، التي يرفعها الشعب السوري المنتفض منذ أكثر من عامين، ولكنهم يرون وبوضوح «التكفيريين، وأكلة الأكباد، والانتحاريين»، وكأنهم كل الثورة السورية التي هي وطنية إسلامية معتدلة وذات قاعدة عريضة تمثل كل أطياف الشعب. نعم هناك تكفيريون ومنتمون ل «القاعدة» والتيارات السلفية المتشددة يقاتلون في سورية، تحركهم كراهية الشيعة والحداثة وكل ما هو.. آخر، لا يطالبون بديموقراطية، ودولة مدنية حديثة يتساوى فيها كل السوريين، ولا يمكن أن نراهم في أي تجمع وطني سوري، حتى لو كان رئيسه شيخاً معمماً، وليس رئيسه الحالي جورج صبرا. إنهم التيارات نفسها التي كانت المخابرات السورية تبعث بها إلى العراق واشتكى منهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وقدّم شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد التدخلات السورية قبل عامين أو ثلاثة من الثورة السورية، التي دفعته لنسيان خلافات الماضي والتحول إلى حليف لبشار في تحول غريب لا يبرره غير الحسابات الطائفية الضيقة. مع هؤلاء الطارئين على الثورة، يوجد أيضاً لصوص، وقطاع طرق، وانتهازيون، فالثورات ليست للشرفاء فقط، ولكن وضع المجهر على هؤلاء، ما هو إلا عملية هروب يبرر بها مؤيدو بشار تخاذلهم عن نصرة ثورة حقيقية ضد طاغية ونظام قمعي لو استطاع الشعب الثورة عليه قبل عقود لفعل. يستطيع أنصار بشار من غير الشيعة أن يقدموا مبرراً لسوء صنعهم، فتيار «المردة» الماروني اللبناني عاش متمتعاً بحماية النظام، ومتمترساً ضد أحزاب لبنانية مارونية تقف في الصف المعادي لبشار، إذاً لديه سبب سياسي وإن كان رخيصاً، وتسري القاعدة نفسها على التيار العوني، ولكنه سيكون أول من سيقفز من سفينة «حزب الله» وبشار. وهناك ساسة وصحافيون مؤيدون لبشار كواجب وظيفي مدفوعة قيمته، وهؤلاء لا حاجة لشرح موقفهم، جنوباً إلى صيدا حيث التنظيم الشعبي الناصري، وهؤلاء يكفيهم أنهم ناصريون لتبرير موقفهم، فرمزهم في القاهرة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي لم يخفِ تأييده لبشار، كما أن للنظام فضلاً سابقاً عليهم فيناصرونه (والحق باستحياء هذه الأيام) من باب رد الجميل. في بقية الدول العربية لا يكاد أحد يرى أو يسمع مناصراً لبشار ما لم يكن متابعاً جيداً للتلفزيون السوري، فهم «قوى سياسية صوتية» من دون تمثيل في الشارع أو المجالس النيابية، باستثناء الأردن وتحديداً مدينة الكرك، حيث يوجد عشرات من مناصري النظام، ذلك لوجود أعضاء في القيادة القومية لحزب البعث السوري هناك، وكان للنظام فضل عليهم، كتوفير المنح الدراسية وغير ذلك، فهم أيضاً يردون له الجميل، وإن خفت صوتهم أخيراً بسبب التأييد الشعبي الواسع للثورة السورية. ولكن كل ما سبق مجرد جيوب صغيرة تختفي في محيط عربي متعاطف مع الشعب السوري، حتى نعود إلى البقعة الشيعية وسطنا، فنصطدم بكتلة متماسكة، مستعدة حتى للقتال والموت في صف بشار، مثلما فعل حسن نصرالله وحزبه في القصير ويفعل الآن في أكثر من مكان في سورية، ومثله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يساند النظام بالسلاح والنفط، ويسمح للمتطوعين العراقيين الشيعة بالمضي إلى الشام، وهو يعلم ما هم فاعلون ومع أي نظام يقاتلون، وهناك السياسيون منهم وعلماء الدين الموكل لهم الدفاع عن جناية توريط الشيعة في قتل إخوانهم السنّة. لم يتردد برلماني كويتي أن يصرح علانية ومن الكويت مدافعاً ومناصراً لهذا التدخل، إنه التزام طائفي غير مسبوق ويدعو للقلق. حتى المراجع الدينية التي ما فتئت تصدر الفتاوى والمواقف حيال هذه القضية أو تلك، التزمت الصمت، فلم تؤيد الثورة، ولم تشجب الزج بالشيعة في صف «الفئة الباغية». في بلادي، السعودية، سكت علماء ووجهاء الشيعة عما يجري في سورية، باتوا يضيقون كلما قال لهم أحدنا: ما موقفكم من مظلمة القرن حيث قتل حتى الآن 100 ألف مسلم سوري؟ يتبرم وجه الشيخ قائلاً: «وهل المطلوب أن نصدر بياناً حيال كل أمر طرأ؟ إنها فتنة ننأى بأنفسنا عنها». صديقي الشيعي أراد أن يجاملني فكتب لي قائلاً: «أنا أتعاطف مع الشعب السوري، فهو يستحق أفضل من النظام الذي يقتله، ولكنه أيضاً يستحق أفضل من الجيش الحر!»، أعتقد أنه يعتقد الآن أنه قدّم تنازلاً كبيراً بجملته هذه. يا صديقي، لا أريد أن أكون طائفياً، إنني أكره نزعتي الطائفية المتنامية، ولكنك لا تساعدني. * كاتب وإعلامي سعودي