منذ أن انتقل جيك بول من عالم اليوتيوب إلى حلبات الملاكمة، والانقسام حوله لا يهدأ ، فبين من يراه مجرد مهرّج يصنع الضجيج ويشتري الأضواء، ومن يعتبره نموذجًا جديدًا للملاكمة الترفيهية الحديثة، يقف السؤال الجوهري: ماذا يفعل جيك بول فعليًا بالملاكمة… وهل ما يقدمه يستحق الاحترام؟ في الظاهر، يبدو جيك بول نقيضًا لقيم الملاكمة التقليدية. لا مسيرة طويلة في الهواة، ولا بطولة عالمية تُروى في السيرة. بدلًا من ذلك، جاء ومعه ملايين المتابعين، وكاميرات، ومؤتمرات صحفية صاخبة، واستفزاز مقصود. هذه الصورة وحدها كافية لدى كثيرين للحكم عليه كمهرّج لا علاقة له بجوهر الرياضة ، لكن التوقف عند الصورة فقط يُفوّت نصف القصة. جيك بول لا يدّعي أنه أسطورة، لكنه يتقن شيئًا واحدًا بمهارة شديدة: فهم عصر الانتباه. هو يعرف أن الملاكمة – مثل غيرها من الرياضات – لم تعد تُباع فقط داخل الحلبة، بل خارجها أيضًا ، ويعرف كيف يحوّل النزال إلى حدث، وكيف يجعل الجمهور – حتى الغاضب منه – يشتري التذكرة أو يشاهد البث. وهذه مهارة لا يملكها كثير من الملاكمين "الحقيقيين". من الناحية الفنية، لا يمكن وصفه بالملاكم العظيم، لكنه في الوقت ذاته ليس دمية. تدرب بجدية، التزم بالانضباط البدني، وحقق انتصارات حقيقية – حتى وإن كانت على خصوم يثير اختيارهم الكثير من الجدل، وهنا نصل إلى جوهر الإشكال.. هل جيك بول يستغل الملاكمة؟ أم أن الملاكمة نفسها كانت بحاجة لمن يوقظها من سباتها التجاري؟ الواقع أن كثيرًا من نزالات الملاكمة التقليدية غرقت في تعقيدات الاتحادات والأحزمة، وفي هذا الفراغ، ظهر جيك بول كنموذج مختلف: ملاكمة ترفيهية، قصة واضحة، خصم مفهوم، تسويق مباشر، وجمهور جديد لم يكن يهتم بالملاكمة أصلًا، فهو لم يأخذ جمهور الملاكمة بل جلب جمهورًا جديدًا بالكامل. الخطورة لا تكمن في وجود جيك بول، بل في الخلط بين الترفيه والشرعية الرياضية، فحين يُقدَّم على أنه بطل حقيقي دون أن يمر بمسار حقيقي، هنا يصبح الأمر مسيئًا للعبة. أما حين يُنظر إليه كمنتج عصري، ضمن فئة "الملاكمة الاستعراضية الجادة"، فهنا يصبح جزءًا من المشهد، لا تهديدًا له . جيك بول ليس مهرّجًا بالكامل، ولا ملاكمًا يُضرب به المثل ، ولكنه نتاج عصرٍ تغيّرت فيه قواعد الاحترام: لم تعد تُكتسب فقط بالإنجاز، بل بالحضور، والتأشير، وصناعة القصة فمن يكرهه سيشاهده، ومن يسخر منه سيتحدث عنه، وفي الحالتين… هو الرابح. والسؤال الحقيقي ليس هل نحترم جيك بول، بل هل الملاكمة قادرة على التكيّف مع زمنٍ يشبهه؟