أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في منطقة مكة    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة أمنية        جمعية تحفيظ القرآن بطريب" تعقد اجتماعها الدوري وتصدر قرارات لتطوير أعمالها    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    اختتام الدراسات الأولية للشارة الخشبية لقائدات وحدات فتيات الكشافة    آي سي يو    فلكية جدة: بداية فصل الخريف غدا    رسالة المسجد في توطيد اللحمة الوطنية    الأمن العام: ضوابط مشددة لصون مكانة العلم السعودي    النصر يسحق الرياض بخماسية.. الاتحاد يتجاوز النجمة.. تعادل الحزم والفتح    أخضر البادل يختتم الخليجية ب(برونزيتين)    الذهب يحقق مكاسبه الأسبوعية الخامسة عقب أول خفض لسعر الفائدة    صيني يدفع المال لابنته مقابل «رسالة»    حائل: وكيل وزارة البلديات يطلع على «إتمام»    "الهيئة الملكية للرياض" تعالج الازدحام المروري    انتخاب المملكة لعضوية مجلس محافظي «الطاقة الذرية»    جيسوس يساند لاعبه وسط الانتقادات    تعادل الحزم والفتح سلبياً    ابن زيدان يفاجئ والده ويحمي عرين الجزائر    في دور ال 32 من كأس حادم الحرمين الشريفين.. الاتفاق والتعاون في ضيافة الباطن والفيصلي    أخضر الناشئين يكسب البحرين برباعية في كأس الخليج    15 مليار ريال سوق الأمن السيبراني    تداول يواصل هبوطه الأسبوعي    خدمة رقمية لإيصال المياه للمشاريع    بحضور أمراء ورجال أعمال .. بن داوود والعبدلي يحتفلان بعقد قران عبدالعزيز    16 مليون شخص يتابعون « الشمس المكسوفة»    آل العطار يزفون أحمد ويوسف    ولي العهد.. نجم السعد    ماكرون: نعمل معاً من أجل تحقيق السلام.. ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج «حل الدولتين»    مبادرة كنوز السعودية بوزارة الإعلام تطلق المسلسل الكرتوني "الرهيبين"    إعلان الفائزين بجوائز«صناعة الأفلام»    مي كساب:«اللعبة 5» موسم مختلف    40 فعالية في احتفالات اليوم الوطني بمركز«إثراء»    بتوجيه من الملك وبناء على ما رفعه ولي العهد.. 1.3 مليار ريال دعماً لليمن    إسدال الستار على «الفضاء مداك»    395 مليون ريال لتنفيذ مشروعات تطويرية لمساجد المدينة المنورة    فعاليات في جامعة الملك خالد عن سلامة المرضى    استخدام تقنية دقيقة ومتقدمة تسهم بإنقاذ مريض مصاب في حادث سير    اليمامة الصحفية تنظم فعالية التطعيم ضد الأنفلونزا الموسمية    الصحة: 96% من مرضى العناية لم يتلقوا «اللقاح»    قلة النوم ترفع الضغط وتزيد مخاطر السكتات    اليوم الوطني المجيد والمرونة التي تحفظ الوطن وتعزز أمنه    نائب أمير منطقة القصيم يستقبل محافظ الأسياح وفريق أبا الورود التطوعي    خطيب المسجد الحرام: استحضروا عظمة الله وقدرته في كل الأحوال    إمام المسجد النبوي: من أراد الهداية فعليه بالقرآن    المملكة تُخفّف معاناة المحتاجين    مصر: القوات المنتشرة في سيناء تستهدف تأمين الحدود ضد المخاطر    نائب أمير الشرقية يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير الأحساء    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة صيتة    69% تراجع بقضايا المزادات العقارية    1.380 ميار ريال دعم سعودي جديد لليمن    ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج مؤتمر حل الدولتين وتفعيل الجهود الدولية    «الداخلية»: العلم السعودي .. مجدٌ متين .. وعهدٌ أمين    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارثة جدة وظاهرة الفساد

الفساد بكل أشكاله ومستوياته ظاهرة إنسانية قديمة، ولا يمكن القضاء عليها تماما. هذا جانب من الإشكالية، وهو الجانب الذي يتذرع به الفاسدون المفسدون لتبرير سلوكياتهم. الجانب الآخر يتم تجاهله، أو التقليل من أهميته، وهو أن كون الفساد ظاهرة إنسانية قديمة، وأنه لا يمكن استئصال شأفته يفرض بإلحاح العمل وبوتيرة لا تتوقف على ابتكار كل الوسائل الإدارية، والقانونية، والسياسية، والأخلاقية لمحاصرة الفساد، والحد من انتشاره. لأنه من دون ذلك يتفشى الفساد، ويضع المجتمع على الطريق نحو هاوية الكوارث بأنواعها غير الطبيعية. كلنا نعرف ونتحدث عن غياب أشياء ثلاثة في العالم العربي: غياب القانون والمحاسبة، وغياب الشفافية، وغياب المراقبة والمسؤولية. وهذه الغيابات هي المرتكزات الأساسية التي يتغذى منها الفساد. والشاهد أن الكوارث منتشرة في طول العالم العربي وعرضه: بعضها مكشوف للعيان بآثاره المدمرة مثل كارثة مدينة جدة في السعودية، ومثل الانهيارات التي تحصل للمباني، وغرق العبارات في مصر. ومن الكوارث ما هو سياسي، وهذا منتشر أيضا في العالم العربي. أكبرها انهيار العراق بأكمله. كان للفساد دور في حصول هذه الكارثة واستمرارها: قبل انهيار النظام السابق، وبعده. هناك كوارث غير مرئية، مثل انهيار أخلاقيات العمل، وتردي المستوى التعليمي، وبقاء الأمية، وانهيار القدرات الإنتاجية في الاقتصاد.. إلخ. الجميع يدرك الآن بأن العالم العربي يعتمد في كل مناحي حياته تقريبا على منتجات الغرب، وشرق آسيا في الغذاء، والدواء، والكساء، وفي المواصلات، والدفاع، بل وحتى في الترفيه. وهذا لأن الفساد وصل في نمط الحياة العربية إلى حد أنه أصبح يشكل تحديا سافرا للقيم الأخلاقية التي تحض على الورع والعمل، والإنتاج، والانضباط، والتزام القانون.
عندما نأتي إلى كارثة جدة نجد أمامنا آثار الإهمال والتهاون، والفساد بشكل مؤلم. حجم الكارثة كما يصوره الإعلام السعودي بشريا وماديا، لا يمكن تفسيره بعامل الإهمال فقط. كان للفساد دور واضح وكبير في ما آلت إليه حالة "عروس البحر". وإلا أين ذهبت عشرات مليارات الريالات التي اعتمدت لمشاريع هذه المدينة الكبيرة منذ الخطة الخمسية الأولى للتنمية، والتي بدأت عام 1970، وحتى الخطة الثامنة التي تنتهي بنهاية هذا العام؟ وقد كشفت وزارة المالية السعودية أن الاعتمادات المالية لمشاريع الصرف الصحي، ومشاريع تصريف مياه السيول لمدينة جدة لوحدها هو الأعلى على مستوى مدن المملكة، بما في ذلك مدينة الرياض الأكبر مساحة والأكثر سكانا. وتضيف الوزارة بأن ما تم اعتماده لمشاريع الصرف الصحي في محافظة جدة كان أكثر من تسعة مليارات ريال سعودي. يبدو من بيان الوزارة أن هذا المبلغ لم يعتمد دفعة واحدة، وإنما خلال سنوات قد تمتد لتغطي المساحة الزمنية لخطط التنمية الثماني. أما بالنسبة لمشاريع تصريف السيول فتقول الوزارة إنه اعتمد لها في محافظة جدة 2،2 مليار ريال خلال خطة التنمية الثامنة فقط. وهذا المبلغ أيضا هو الأعلى بين مدن المملكة. إذن كيف، ولماذا حدثت الكارثة؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر أن تجيب عليه لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت بمقتضى الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
فجرت كارثة جدة سيلا من الكتابات والتحقيقات، وردود الفعل الغاضبة، والمتأنية، سيلا يبدو أنه كان متراكما منذ زمن طويل. لكن أول وأهم ردود الفعل كان القرار الملكي بتشكيل لجنة التحقيق في أسباب الكارثة. وهو قرار جاء سريعا، وحاسما في لهجته، وغير مسبوق في صياغته التي واجهت الكارثة كما هي، ومن دون مواربة. لغة القرار تعبر عن حالة الدهشة التي يبدو أنها استبدت بالملك عندما اطلع على حجم الكارثة، وعن شعور واضح بخيبة أمل كبيرة في تقصير فادح ربما ارتكبه بعض أو كل من أوكلت إليهم مسؤولية مدينة جدة. يتضح ذلك من الديباجة الطويلة بشكل غير معهود والتي عبر فيها الملك عن المسوغات التي فرضت إصدار مثل هذا القرار. يقول في أحد مقاطعها، "وإنه ليحز في النفس ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحو ما نتابعه ونشاهده، كالأعاصير والفيضانات الخارجة وتداعياتها عن نطاق الإرادة والسيطرة في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية. وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا تنتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم. واضطلاعاً بما يلزمنا واجب الأمانة والمسؤولية... فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه -جهات وأشخاصاً- ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم". هذه اللغة ليست معهودة في أدبيات البيروقراطية السعودية، وأحسب أنها ليست كذلك في أدبيات البيروقراطيات العربية. لكن للأمانة أيضا، وانطلاقا من روح القرار الملكي نفسه، لابد من انتظار ما ستنتهي إليه لجنة تقصي الحقائق عملا بالقاعدة الذهبية التي تقول "الأعمال بخواتيمها، أو نتائجها".
هذا لا يعني على الإطلاق أن عمل اللجنة يجب أن ينتهي بتوزيع قرارات الاتهام والإدانة ضد هذا المسؤول أو ذاك، أو هذه الجهة أو تلك. وإنما يعني أن على اللجنة أن تقدم للملك وللمواطن الحقيقة كما هي، وأن تقدم ما يسند ويبرر استنتاجها هذا. وفي ظني أن اللجنة تعرف حجم الحديث الذي كان ولا يزال يدور عن الإهمال والفساد في البلد كله، وفي مدينة جدة على وجه التحديد. وتعرف أيضا أن حجم هذه الأحاديث وما يصاحبها من كلام تختلط فيه المعلومة بالإشاعة سببه الأول والأهم غياب المعلومة الصحيحة. وبالتالي فإن مهمتها جليلة ودقيقة، وتتمثل في وضع الأمور في نصابها، وفرز الحقيقة من الخيال، والمعلومة عن الإشاعة. إذا كانت هناك أخطاء، واستغلال للنفوذ، أو سطو على المال العام، فيجب أن تكشف عن ذلك وتعلنه، وإذا كانت هناك مسؤولية فيجب أن تحددها بالاسم والموقع. وإذا كانت هناك براءة فيجب أن توضحها.
ما يستدعي هذا التنبيه أن رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، وأحد أعضاء اللجنة، قال في معرض سؤاله عن التشهير بأسماء من تثبت مسؤوليتهم: "التشهير عقوبة متعدية لا تقتصر على الجاني، وإنما تتعداه إلى أسرته وأولاده..."، وكلامه صحيح. لكن الصحيح أيضا أن من تثبت مسؤوليته فيما حدث يكون قد ارتكب مخالفة كارثية، أو جريمة تتعدى في آثارها التدميرية أكثر بكثير من تعدي عقوبة التشهير. ولعل عدم التشهير في المخالفات التي لا يتجاوز تأثيرها صاحب المخالفة أمر مطلوب وحميد. لكن المخالفات التي تتجاوز آثارها الكارثية صاحب المخالفة إلى المجتمع، فإن عدم التشهير في هذه الحالة يعد تسترا يشجع على تكرار المخالفات، وعلى الفساد أيضا. وفي كل الأحوال فإن القرار الملكي واضح في مراميه وأهدافه، خاصة لجهة تعهد الملك ب"التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه -جهات وأشخاصاً- ومحاسبة كل مقصر أو متهاون وبكل حزم..."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.