التراث بكل تفاصيله هو أساس الفكرة الإبداعية والتصور الفني الذي يخلق الخصوصية والانتماء والهوية، ولا نقصد بالتراث التعامل السطحي والتقليد لكل الأثر السابق بقدر ما هو غوص في جوهر المحسوسات التي تثبت الرؤية الخلاقة في الذائقة الإنسانية وترتقي بالثقافة وتنتشلها من تقوقعها الذاتي نحو انفتاحها الجماعي. فالاتجاه نحو التراث والتعريف به والانطلاق منه في عدة أعمال فنية تشكيلية سعودية معاصرة ما هو إلا اجتهاد معتق يحمي الفكرة المعاصرة من الاغتراب من خلال التجريب والتوظيف لكل الخامات لتحويلها إلى صورة تترتب حسب متطلبات العصر الفنية. وهو ما تسعى له الجهات الفنية والثقافية في المملكة، بترسيخ الفكرة المنطلقة من التراث كما في معرض «تراثنا حبنا» في نسخته الرابعة، التي تميزت بطابعها التراثي. وقد كان المعرض فرصة ل20 فنانا لعرض أعمالهم التي ارتكزت على التراث السعودي، وشارك فيه كل من الفنانين: العنود العجمي، وخالد التميمي، ودانا التركي، ودلال الجارودي، ودنيا الشطيري، وسكنة حسن، وعبير الفرحان، وعبدالله الدغيثر، وعبدالله الدهري، ومنتهى صالح، ومرام الوتيد، ومها الغانمي، ومها مطران، وموضي مصلح، وهديل العبودي، وهيفا الحارثي، ووفاء القنيبط، إضافة للفنانين: زمان جاسم، وصديق واصل، وعبدالوهاب عطيف، وناصر التركي، ومحمد الثقفي، وفاطمة النمر. إن مفهوم الهوية ليس مجرد تقبل ثابت بل هو فكرة تجريب وخلق وابتكار، هكذا يراها النحات محمد الثقفي فهي تعوّد على محاكاة التاريخ وتأصيل الفكرة وتعتيق الخامات ومنحها دورها الفني الفاعل. أما التشكيلية مها الغانمي فترى في أعمالها أن التراث تناغم ثابت وتوازن متحرر ينطلق من العادات والتقاليد ليرسخ الهوية بشكلها الحي في الروح والعقل والحواس. أما تجربة فاطمة النمر فتنفرد بطرح المفهوم الوجودي للتراث بمقاصده الجمالية الباحثة عن الذات وعن الإنسان في دلالة التفاصيل ومعاني التواصل والتعايش والحفاظ على الخصوصية التي تضمن ألا يقع من المنخل بعد الغربلة. والفنان التشكيلي ناصر التركي قدم خصوصيته الفنية في البحث عن الذات وبناء الوطن منطلقا من ثبات الانتماء للصحراء وما تثيره من تحديات تواجه صعوبات الحياة فامتدادها هو ذاكرة وحنين وصبر موروث ضمن التجانس مع الطبيعة. فيما جسدت التشكيلية دانا التركي «الكرم العربي» كانعكاس للبيئة والهوية الراسخة في الأرض والتاريخ والحضارة العربية والإسلامية مستخدمة في عملها التركيبي كل ما له علاقة بالقهوة وطريقة تحضيرها وانعكاسها كواجب الضيافة. وجسدت العنود العجمي في عملها المفاهيمي «10/10» عشرة إطارات سيارات جمعتها وجسمتها في شكل واحد حول فكرة قيادة النساء للسيارة التي ستكون في تاريخ 10 شوال. * كاتب في الفنون البصرية