في المشهد السينمائي السعودي اليوم، تبدو الحركة متسارعة، والآمال كبيرة، وأبواب تحقيق الطموحات مفتوحة على مصراعيها، أفلام تتوالى، ومهرجانات تُقام، وشباب يتطلعون إلى حجز مكانهم في ساحة إقليمية ودولية مزدحمة بالمواهب والتجارب المختلفة من مدارس شتى، ومع هذا الحراك المحموم، يبرز سؤال أساسي يبدو حاضرًا في كواليس كل مشروع وكل حوار نقدي: هل نسعى لصناعة سينما سعودية بهوية خاصة، أم نركض نحو الاندماج في السوق العالمي حتى لو كان الثمن ذوبان الشخصية المحلية؟ منذ عودة العروض السينمائية للمملكة في 2018، شهدت الصناعة السعودية تحولا جذريا، ولم يعد الحديث مقتصرًا على "الخطوة الأولى"، بل دخلنا مرحلة الإنتاج الفعلي، وعرض الأعمال في المحافل الدولية، والدخول إلى منصات العرض العالمية. لكن هذه القفزات السريعة جعلت البعض يتساءل: هل ما نصنعه يعكس بالفعل بيئتنا وثقافتنا، أم أننا نشرع في تقليد أنماط وتجارب سبقنا إليها الآخرون؟ الهوية في السينما ليست مجرد لهجة أو ملابس تقليدية، بل هي روح تُستشعر في الرؤية، والطرح، وطريقة الحكاية، والمتابع للسينما السعودية في بداياتها يلحظ أنها اعتمدت كثيرًا على القصص المحلية الصرفة مثل وجدة، وشمس المعارف، وبركة يقابل بركة، التي قدمت صورة حقيقية عن المجتمع بأسلوب بسيط وقريب من الناس، لكن مع انفتاح السوق، بدأت بعض الإنتاجات تتجه نحو صيغ مكررة من أفلام التشويق أو الكوميديا السهلة، المستعارة من قوالب عالمية، وكأن هدفها الأول إرضاء منصات البث أو المهرجانات، وليس تقديم صوت سعودي خالص. الاندماج في السوق العالمي ليس خطيئة، بل ضرورة لأي صناعة تسعى للحياة، لكن الخطورة تكمن حين يتحول هذا الاندماج إلى ذوبان يفقد فيه الفيلم روحه المحلية، فالجمهور العالمي يبحث عن ما يقدّم له تجربة مختلفة، لا استنساخا لِما يعرفه، والمفارقة أن كثيرًا من الأفلام السعودية التي لاقت صدى خارجيًا فعلًا، كانت تلك التي حافظت على خصوصيتها، وتحدثت بلغتها، وقدمت بيئتها بصدق، وفيلم نورا الحائز على تنويه من مهرجان كان العريق خير مثال على ذلك. السينما السعودية تقف اليوم أمام اختبار صعب: كيف تحافظ على هويتها، وتظل مع ذلك قادرة على النفاذ إلى السوق العالمي بلغة يفهمها الجميع؟ وهنا يبرز الدور الحاسم للكتّاب والمخرجين؛ فهُم القادرون على صياغة الحكاية التي تُحاكي المحلي وتُخاطب الإنساني في آن واحد، كما أن على المنتجين مقاومة إغراء التقليد السريع بحثًا عن العائد التجاري الفوري، فبناء صناعة حقيقية يحتاج إلى صبر، واستثمار في الأصالة. المفارقة أن بعض الأعمال العالمية التي دخلت الوجدان العالمي، جاءت من بيئات محلية بحتة، لكنها قُدّمت بصدق فني عالٍ، ومن هنا فإن قوة السينما السعودية لا تكمن في محاكاتها للنماذج الغربية، بل في قدرتها على أن تحكي قصصها كما هي.. بلا تجميل، وبلا مواربة، وبلا استنساخ. الاندماج مع السوق العالمي ينبغي ألا يكون تنازلا عن الملامح الأصيلة، بل فرصة لعرضها على العالم بلغة الفن الرفيعة، والأهم، أن نؤمن أن القصة السعودية الحقيقية، حين تُحكى تفاصيلها بصدق، معتمدة في ذلك على الموروث الشعبي التي تزخر بها المنطقة، فإنها ستكون قادرة على العبور إلى كل مشاهد في أي مكان.