نحن فى هذا العصر الرقمي وفي زمن الفضائيات وضغوط العولمة التي أزالت السدود واخترقت الحواجز ومحت حدود الجغرافيا، وجد الشاب نفسه أحياناً أمام أسئلة ذات طابع وجودي فلسفي، تتمحور حول كثير من مفردات الوجود والعدم. تلك الاسئلة قد تتراكم وعلى نحو خطيّ متصاعد، وهي فى كثير من الاحيان قد تصادف قلبا خاليا فتتمكن منه، خصوصا حينما لا يكون هذا الشاب أو ذاك مسلحاً بشحنات إيمانية كافية تعزز لديه المنحى اليقيني هذا من جهة، وتمنحه ذخيرة علمية وأفقا معرفيا واسعا يجعل منه عصيا على الاختراق الثقافي هذا من جهة أخرى. كثير ممن لديهم ميول قرائية ويتسمون بلون من الفضول الفكري قد يقعون أحيانا ضحية؛ إما لتوجهات فكرية أو لبرامج تلفازية قادرة على الإقناع والاستمالة، فتنطلي عليهم الكثير من الشبهات ويلجون في نفق فكري مظلم كنتيجة طبيعية لتدني وتيرة النقد وضمور حس المحاكمة العقلانية وضعف التأصيل العلمي. ولا غرو فضمور البنية المعرفية وفوضوية الاشتغال الذهني وافتقاره للتماسك وعدم التمتع بحس نقدي، يسائل الفكرة الفلسفية الواردة ويبتلي مضامينها، كل هذا كفيل بإدخال المرء في تيه ثقافي حاد، فتلتبس عليه المعطيات الدلالية، ومن ثم تضمر لديه المقاربة المنهجية إلى أدنى حدودها. إن شريحة الشباب مستهدفة، بل هناك زخم عملي متراكم من الجهود الإستراتيجية والحملات المنظمة والمتتابعة لإيقاظ الفتنة النائمة واستهداف تلك الشريحة الشبابية والإجهاز على مرجعيتها والعمل على بث صلتها بثقافتها العميقة، وفصلها عن المكون الديني لتتصل من ثم وبشكل متدرج بالفكر الإلحادي المعتم، والذي أضحينا نلمس آثاره مؤخرا، حيث إن هناك تناميا ملحوظا لهذا الفكر وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أعادت إلى الواجهة من جديد استشكالات «صبيغ» الكوفي، بل وبطريقة أكثر إيغالا في مواقعة المحظور العقدي وشرعنة مزاولته! الانفتاح القرائي وتوسيع دائرة الاطلاع مطلب جوهري، خصوصا لمن كان يمتلك أدوات النقد والترشيد والاختيار والتصحيح، وليس ثمة غضاضة هنا، إنما الإشكال فيمن لم يتجاوز بعد أسر النمطية والانصياع الفوري لأول وارد، والتفاعل العفوي مع أول وافد يدلف الساحة الذهنية ويغشى سراديبها. إن هناك من يتواصل مع كل ما هب ودب من مصادرالمعرفة، في الوقت الذي لا يفرق فيه بين الغث والسمين- هذا إن كان ثمة سمين!- فينفتح ثقافيا على القراءة وفي المناحي ذات الطابع الفلسفي تحديدا، دون أن يكون لديه حصانة معرفية تمكّنه من محاكمة الأطروحات والغوص في تفاصيلها والكشف عن نقائضها الداخلية ومعاينة ما يعتور بناءها المنهجي من اختلالات، ومن دون أن يكون لديه بُعد عقدي تأصيلي يتيح له تكوين رؤية واضحة ليس حول هذا الوجود– فقط- ككينونة محكومة بالصيرورة والفناء، بل ويمده بإجابات شافية حتى فيما يتعلق بالماورائيات المتعالية «الترنسندتتالية» فتسكن نفسه ويطمئن وجدانه، ويكون بمنأىً عن إشكاليات القلق الوجودي.