الراصد للساحة الفكرية سواء في الاعلام التقليدي أو في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الجديد، يروعه كمية هذا الغثاء الفكري المتراكم الذي بالغ في مناكفة المسلمات، والشغب على الثوابت ومحاولة محوحضورها الكاريزمي المهيمن على مفاصل الوعي العام. أصوات نشاز تنبعث من هنا وهناك لاتكف عن العمل على مصادمة المقدس ومحاولة نقض الغزل المحكم من بعد قوة أنكاثا عبر وسائط اعلامية متعددة الأمر الذي جعلنا أمام حالة فوضوية قد يتعذر التحكم في مساراتها. كثيرون ركبوا تلك الموجة طلبا للشهرة، أو رغبة في الكسب حتى وصل الحال ببعضهم إلى إصدار أحكام صادمة للقطعيات مصادمة للإجماع كالقول بإباحة الخمر مثلا. لقد ألفنا مثل تلك الحماقات المفتعلة وصار من الطبيعي أن تجد من يتفيقه ولا يتفقه بل يتلبس بما لم يعطه فيتحدث بل وينظر في الأحكام الفقهية مع أنه أمي، أجنبي عن المعرفة بل قد لا يتوفر ولا على الحد الأدنى من أبجدياتها البديهية ومع ذلك لا يجد أدنى غضاضة في أن يخوض- وبصفاقة استثنائية- في قضايا هي أكبر وبكثير من مقاييسه الذهنية وهكذا يبدو وكما الهر يحكي انتفاخا صولة الأسد!. إن البيئة الآمنة مطلب في غاية الضرورة وتحقيق الأمن العقدي أمر ليس بالمقدور عليه من غير تنظيف المشهد الفكري وإزالة ملوثاته وطرد كافة العناصر ذات النفس التخريبي وإماطتها عن الطريق لأن ترك الحبل على الغارب هو الذي يغري الدخلاء بالتطفل ممن لا يحتكمون الى أفق نقلي ولا إلى بعد عقلي ولا حتى الى ذوق سليم فيتطفلون وبشكل لا يثري الوعي بقدر ما يثير بواعث تدني رؤيته وبالتالي تغييبه عن معاينة الحقيقة! نعم هناك رموز عدة تبنوا أفكارا مصادمة ورؤى مجدفة كما يتجسد ذلك في (إلحادية) أدونيس والقصيمي و(علمانية) اركون ونصر أبوزيد و(تفكيكية) علي حرب و(فرنسة) طه حسين و(غربنة) هشام جعيط و(وجودية) عبدالرحمن بدوي و(واقعية)زكي نجيب محمود و(يسارية)حسن حنفي و(ماركسية)العروي وطيب تيزيني و(استشراقية) وائل حلاق وعبدالمجيد الشرفي فهؤلاء كثيرا ما عانى الميدان الفكري من كثافة مايمارسونه من تلبيس منظم ومن تعتيم ثقافي بلغ في المكر منتهاه! ولكن مع ذلك يمكن تفهم أطروحاتهم وذلك لما يتسم به بعضهم من ثراء فكري وتنوع معرفي وإلمام لافت بمناهج واستراتيجيات وآليات أتاحت لهم القدرة على تقديم قدر من الإضافة، نعم هي إضافة نحن نشنؤها ولكن لايجرمنا شنآنها على ألا نعدل، هؤلاء المفكرون يمكن تفهمهم لكن ما يستعصي على الفهم هو طرح- أوبعبارة أدق هذيان- أولئك الشرذمة ممن لا يتوفرون على معرفة، وليس لهم في الموهبة من خلاق إذ لا يمتلك أحدهم رؤية وليس صاحب مشروع وإنما هو فقط مجرد ببغاء يردد ماقالت حذام وعلى نحو يجسدالصعلكة الثقافية في أكثر صورها اشمئزازا!