الأحساء .. بالأمس القريب كانت واحة غناء بمروجها الخضراء وبساتينها النضرة ونخيلها الباسقة وعيونها العذبة وهوائها العليل يتغنى بها الشعراء ويشدو بها الكتاب ينشدها القاصي والداني حتى غدت مضرب مثل رسمت صفحاتها من ذهب بتاريخها المجيد وتراثها العريق، كنا نتباهى بأن يوجد لدينا مليونا نخلة، واليوم أضحينا ولا نخلة . وفي المقابل إحدى دول الخليج كانت بلا نخلة فأصبحت بأربعين مليون نخلة، نعم ما غدت الأحساء واحة من عجائب الدنيا السبع التي كنا نعرفها، فقد جنى الزمان عليها . غارت عيونها ومات زرعها وسجد نخيلها وأقحلت مروجها وتبدل هواؤها وهجرها شعراؤها وكتابها بعد أن تنصل منها أهلها وأحبابها، فلم تجد من يبكيها ولم تجد من ينصفها ولم تجد من يواسيها ويمسح دمعها من غدر زمانها ، فها هي تحتضر أمام أعيننا تنتظر بصبر قلبا يرأف وضميرا يشعر. إنني وإن كنت أعتب بشدة على كل مواطن يطالب ويساهم في تغيير واحة الأحساء المشرقة التي هي جزء من وطننا الكبير وجزء من موروثنا التاريخي الذي نفخر به، ولكن عتبي الرئيس وبمرارة وأسى موجه إلى كل المسئولين الذين لهم علاقة بهذا الأمر ، أعتب على صمتهم على ما يجري . هذا الصمت غير المبرر وكأن الأمر لا يعنيهم من بعيد أو قريب فلماذا هنا " لا أرى لا أسمع لا أتكلم "، وإنني هنا وعبر هذه السطور المقتضبة أتقدم ببعض المقترحات التي أرى أهمية الأخذ بها في هذا المجال: وقف الغزو المقولي على ثروة بلادنا الزراعية (أوقفوا قتل عمتنا النخلة) نريد قرارا حكوميا بأن مزارع الاحساء منطقة محمية. نريد تطبيقاً وتفعيلاً وحزماً على أرض الواقع للوائح والأنظمة الزراعية. نريد إصلاح ما أفسده الزمن وهو إعادة وبذل الجهود وتسخير الطاقات لإعادة زراعة النخيل واتساع الرقعة المزروعة. العمل على تشجيع وتحفيز المزارعين بشكل أكبر من المعمول به حاليا. العمل على نشر الوعي الاجتماعي بأهمية الزراعة بشكل عام والنخلة بشكل خاص. النخيل زراعة وصناعة وتسويق تحتاج إلى مزيد من البحوث والدراسات والتجارب التي تضمن للمملكة تحقيق أكبر عائد من هذه الثروة الطبيعية التي حباها الله بها. العمل بروح الفريق الواحد بين مختلف الوزارات (البلدية والزراعة والكهرباء) عن طريق التنسيق فيما بينها للحد من التعدي على الرقعة الزراعية، يد واحدة لا تصفق. الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والدعوة إلى تشجيع الاستثمارات الحكومية والخاصة في قطاع النخيل والتمور . جريدتنا القراء "اليوم" طالعتنا في عددها (14827) بتاريخ 17/4/1435ه بمقال بعنوان "باستثناء ما اعتمد مسبقا .. أمانة الأحساء توقف التمدد العمراني بالواحة على حساب الزراعي" . مما لا شك فيه أن هذا قرار حكيم استبشرنا به خيرا، لكنه جاء متأخرا كثيرا جدا فما استثني مسبقاً لم يبق ولم يذر شيء، والنخلة التي نجت من القطع لم تنج من النفي إلى دول الجوار . اذا كانت أمانة الاحساء هي الجهة المعنية بالمحافظة على الرقعة الزراعية ومنع التمدد العمراني عليها، فأين كانت عندما كانت بساتين تهجر أو تحرق ليموت نخيلها لتستبدل بمبان . أنني أدعوهم الى ترك مكاتبهم وليتفضلوا مشكورين بجولة ميدانية في قرى ومزارع الاحساء ليقفوا على واقع الحال المحزن، واقع لا يحتاج الى دليل ولا طمس ولا نكران ولا نفي، ومع ذلك فإن الجميع متفائل بالقرارات الجديدة، ونأمل أن نراها منفذة ومفعلة على أرض الواقع وليس مجرد قرارات حبرا على ورق لعلها تحفظ لنا ما نجا من الرقعة الزراعية. ختاماً : إننا ومن أجل عيون وطننا، نريد ونتمنى ونحلم بأن تعيد واحة الاحساء مكانتها المرموقة والريادية في مجال زراعة وجودة وعدد النخيل على المستويين المحلي والعالمي . فهي بلد منشأ النخيل كما يرجحها كثير من المؤرخين، ولا ننسى ان النخلة هي شعار وطننا يجب أن نحافظ عليه ونحميه، هذه النخلة المباركة لا نريدها أن تكون مجرد شعار صورة على ورقة، بل واقعا على الأرض كما كانت . [email protected]