مسألة الرأي وصناعة اتجاهات متنورة في الشارع العربي مسألة في غاية الخطورة ان لم تتعاط معها الفضائيات العربية بوعي مسؤول وصادق ان ارادت فعلا وربما مصالحها التجارية وميولها السياسية التي هي من حق ملاكها واصحابها اخراج المجتمعات العربية من حالة التخبط واللامبالاة والمراهقة الفكرية والمزايدات بين الرجعية والطليعية والاصولية والتحررية التي وبلا وعي تخترق وتجزىء الوعي الجماهيري العربي.. انا اقول بهذا واعرف تماما ان أي محطة فضائية عربية لديها حساباتها ولكن على الايتعارض كل ذلك قدر الامكان مع الحقيقة والموضوعية والتعددية في وجهات النظر التي هي من حق الجمهور أولا واخيرا.. فأخطر ما نلحظه اليوم على خطاب اعلامنا في صناعة الرأي سوءا البرامج الحوارية او الاخبارية او تلك التي تجمع بين ضيوف استوديو وجمهور، يكشف في رأيي عن غياب عناصر المهنية الاساسية في جهاز خطر كالتليفزيون في مجتمعات اليوم.. فانتقاء الاخبار وقضايا الرأي والاحداث والتعليق عليها في معظم الفضائيات العربية تحكمه علاقات وتوافق في الرؤى والهوى بين الاعلاميين الذين يديرون العمل اليومي ومن يستقطبونهم من محللين ومعلقين يعرفون سلفا مواقفهم وتوجهاتهم التي تروق لهم.. فصناعة الرأي اليوم تتلاعب بها كوادر العمل الاعلامي كيفما تشاء بل وتخلطها دوما مع اراء محرريها السياسيين للدرجة التي يتعذر معها على الجمهور التمييز بين الواقعة والرأي الشخصي تجاهها.. وفي هذا بطبيعة الحال تضليل لاتنوير وتزوير اكثر منه تغطية وتحرير.. صحيح اننا في زمن تحركه الايديولوجيا الذكية التي تتكئ على مرجعيات رقمية ومقاربات نماذج تضخ عبر وسائل الاعلام بمسوقين بارعين يحتمون بإرث معرفي يسهل على الساسة بلوغ اهدافهم المرحلية والبعيدة المدى.. والأبرع في هذا اليمين الامريكي الذي قدمته مؤسسات بحثية مثل الهرتج والراند واجهزة العلاقات العامة السياسية التي تدير بمهارة صناعة المناخ المناسب مثلما استزرعت الخوف في امريكا بعد احداث 11 سبتمبر.. الفضائيات العربية صحح انها لا تعيش نفس المناخ المؤسسي لصناعة الافكار والعقائد وغسل ادمغة الناس بها، ولكن عليها على الاقل الا تتعاطى بسطحية مع جماهيرهما العربية والتي لديها وبحوزتها المعلومة ولا ينقصها الا المصداقية..