تعيش مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور في غرب السودان، واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية منذ اندلاع الحرب في البلاد، بعد أن تحولت إلى مسرح للموت والدمار إثر سيطرة قوات الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر الماضي، لتبدأ بعدها رحلة نزوح قاسية لمئات الآلاف من السكان نحو مناطق أخرى داخل السودان أو إلى الأراضي التشادية المجاورة. على الطرقات المؤدية إلى تشاد، تروي شهادات الناجين قصصاً مؤلمة عن معاناة لا تنتهي، إذ يروي أحد الناجين أنه فقد والده الجندي في الجيش الذي كان يتلقى العلاج في المستشفى السعودي بالفاشر، مبيناً أن عناصر الدعم السريع اقتحموا المستشفى، ونادوا سبعة ممرضين قبل أن يُسمع صوت إطلاق نار، ثم شوهد الدم يسيل من تحت الباب، ما اضطره للفرار. وروى آخرون مشاهد مروعة لجثث تملأ الشوارع وخنادق تحولت إلى مقابر جماعية. وحتى بعد مغادرة المدينة، لم تنته المأساة، إذ تحدث لاجئون عن ابتزاز واعتداءات في نقاط التفتيش على الطرق المؤدية إلى تشاد، حيث اضطر كثيرون إلى دفع ما بين 500 ألف ومليون جنيه سوداني لعبور كل نقطة. وأكد شهود أن عناصر من الدعم السريع أعدموا بعض الرجال رمياً بالرصاص بعد تجريدهم من ملابسهم. وفي الوقت الذي تحاول فيه فرق محلية ودولية مساعدة المدنيين، أعلنت السلطات الأربعاء أن الفرق الميدانية أزالت أكثر من ألف لغم أرضي وعبوة ناسفة من شوارع الفاشر ومحيطها. وقال قائد الفرق إن العمل جارٍ لفتح الطرق وتأمين الأحياء المدمرة. من جانبها، أكدت الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية وصول شحنات غذائية إلى المدينة وبعض القرى المجاورة، لكنها حذّرت من نقص المياه النظيفة وانتشار مرض الكوليرا وسوء التغذية الحاد بين الأطفال. وفي المقابل، نفت قوات الدعم السريع ارتكابها جرائم حرب، لكنها أقرت بوقوع "تجاوزات محدودة" وأعلنت فتح تحقيق لمحاسبة المتورطين، في حين اتهمت الحكومة السودانية القوات المهاجمة بقتل نحو ألفي مدني خلال عملية السيطرة على المدينة. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد الفارين من الفاشر إلى تشاد قد يصل إلى 90 ألف شخص خلال الأشهر المقبلة، فيما وصف مسؤولو الإغاثة الوضع بأنه "كارثة إنسانية شاملة".