فقد السوداني منير عبدالرحمن والده المنتسب إلى الجيش، والذي كان يُعالج في مستشفى بالفاشر، خلال الرحلة المضنية لبلوغ تشاد، حيث بدأت طلائع الفارّين تصل بعد نحو أسبوعين من سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة الواقعة في إقليم دارفور. وفرّ عبدالرحمن من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في 25 أكتوبر، مع هجوم قوات الدعم عليها بعد محاصرتها لأكثر من عام. ووصل بعد 11 يوماً إلى مخيم تينيه في إقليم وادي فيرا في تشاد المجاورة، ويروي الفتى البالغ 16 عاماً بتأثر بالغ كيف اقتحم عناصر الدعم السريع مستشفى كان يرقد فيه والده للعلاج من إصابة تعرض لها أثناء المعارك قبل أيام قليلة. ويقول إن المسلحين "نادوا سبعة ممرضين إلى غرفة. سمعنا صوت إطلاق رصاص، ورأينا الدم يسيل أسفل الباب". على منصات التواصل الاجتماعي، انتشر فيديو يُرجح أن يكون لعملية القتل هذه، التقطه عناصر من الدعم السريع، كما الكثير من المقاطع المصوّرة التي وزّعوها بعد دخولهم المدينة التي انقطعت عنها الاتصالات بالكامل. وأفادت الأممالمتحدة بوقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان إبان سقوط الفاشر في 26 أكتوبر. ووصفت شهادات عدة، مدعومة بمقاطع مصورة نشرتها قوات الدعم على منصات التواصل، فظائع في المدينة التي كانت آخر معقل رئيس للجيش في دارفور. وسارع عبدالرحمن، مثل عشرات الآلاف من سكان الفاشر، إلى الفرار. ولقي والده حتفه بعد أيام على الطريق الى تشاد. وبعد نحو أسبوعين على سقوط الفاشر، بدأت دفعات الفارّين تصل الى مخيم تينيه المؤقت في تشاد، بعد السير لأكثر من 300 كيلومتر في ظروف صعبة. ويُجمع اللاجئون الذين التقتهم فرانس برس، على أن القصف على الفاشر اشتد اعتباراً من 24 أكتوبر، قبل أن يقتحمها عناصر الدعم السريع. واضطر كثيرون من السكان لتمضية أيام في ملاجئ من دون مؤن أو غذاء كافٍ. ويقول حامد سليمان شوغار إن القوت الوحيد كان "قشور الفول السوداني"، إلى حين الفرار في 26 أكتوبر. ويروي الرجل البالغ 53 عاماً إنه "في كل مرة كنت أخرج فيها لتنشق الهواء، كنت أرى جثثاً إضافية في الشارع، تعود غالباً لسكان أعرفهم من الحي". واستغل شوغار المصاب بإعاقة "بسبب المليشيات في العام 2011"، هدوءًا نسبياً ذات ليلة للفرار من الفاشر، ونقل على عربة شقت طريقها بين الركام والجثث في المدينة، من دون إنارة وبأقل مقدار من الجلبة لعدم لفت انتباه عناصر الدعم السريع. وبينما كانت مصابيح العربات التابعة لهؤلاء تخرق عتمة الليل، سارع محمد أحمد عبدالكريم وزوجته وأولادهما الستة للاحتماء في منزلهم، وذلك بعد يومين على فقدان العائلة الطفل السابع جراء قصف بطائرة مسيّرة. ويقول عبدالكريم (53 عاما) الذي يخفي خلف نظارتيه السوداوين عيناً يسرى فقدها قبل أشهر جراء القصف "رأينا أكثر من عشر جثث، كلها لمدنيين، وكان دمها يسيل". وكانت منى محمد عمر (42 عاما) تهرب مع أطفالها الثلاثة، عندما سقطت قذيفة على مقربة من المجموعة. وتقول باكية "عندما استدرت رأيت جثة عمتي وقد تحولت أشلاء. غطيناها وواصلنا.. مشينا من دون أن ننظر إلى الخلف مطلقا". ولدى بلوغه جنوب الفاشر عند الخندق الذي يطوّق المدينة، شاهد حامد سليمان شوغار جثثا متراكمة "كانت تملأ نصف الخندق البالغ عرضه مترين وعمقه ثلاثة أمتار". الا أن تقدير عددها، أكان بالعشرات أم المئات، كان يستحيل خلال الليل، خصوصا وأن الخندق يمتد على مد البصر. أما سميرة عبدالله بشير (29 عاما)، فاضطرت للنزول في الخندق ذاته حتى تواصل طريقها، وهي تحمل ابنتها البالغة عامين، ومعها طفلاها الآخران البالغان سبعة أعوام و11 عاما. وتوضح "كان علينا تجنب الجثث لئلا ندوس عليها". لا تنتهي معاناة الفارّين بمجرد مغادرتهم المدينة، فخارج حدودها تبدأ محنة جديدة. فعند كل نقطة تفتيش على الطريقين الرئيسيين اللذين يسمحان بتركها، تتحدث شهادات الهاربين عن أعمال عنف واغتصاب وسرقة. وأفاد شهود بأنه توجب عليهم دفع مبالغ مالية عند نقاط التفتيش، راوحت بين 500 ألف ومليون ليرة سودانية عند كل منها (ما بين 700 و1400 يورو). وتحدث آخرون عن أن عناصر الدعم السريع يستهدفون مجموعات محددة. وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يصل عدد الفارّين الى تشاد "90 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة المقبلة"، بينما تستمر أعمال العنف في دارفور وتجبر الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع السكان على الفرار إلى كردفان شرقا. ويشير أميني رحمني المسؤول عن برنامج منظمة "أطباء بلا حدود" في تينيه، إلى "عمليات نقل أشخاص جارية للمساعدة في تخفيف الازدحام في مخيم تينيه المؤقت واستقبال لاجئين جدد". وأشار الى أن أعداد الوافدين "ما زالت تزداد بشكل طفيف، لكننا مستعدون لتكثيف استجابتنا وتعزيز فرقنا". كما قالت هيئة الأممالمتحدة للمرأة الثلاثاء إن النساء النازحات من مدينة الفاشر بالسودان أبلغن عن عمليات قتل واغتصاب ممنهج وخطف أطفالهن بعد سيطرة قوات الدعم السريع شبه العسكرية على المدينة. وقال النازحون من المدينة إن المدنيين يتعرضون لإطلاق النار في الشوارع وهجمات من خلال طائرات مسيرة. وقالت نساء هاربات من الفاشر إنهن شهدن عمليات قتل واغتصاب وخطف أطفالهن. وقالت المديرة الإقليمية لهيئة الأممالمتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا آنا موتافاتي للصحفيين في جنيف عبر الفيديو من نيروبي إنهن تعرضن "لأهوال لا يمكن لأحد تحملها على الإطلاق". وذكرت أن العنف الجنسي منتشر بشكل كبير. وأضافت "توجد أدلة واضحة على أن الاغتصاب يستخدم بشكل متعمد ومنهجي كسلاح في الحرب".