هلت علينا في الثالث من ربيع الآخر للعام 1438 الذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين ملكاً للمملكة العربية السعودية، نتذاكر فيها المعاني، ونستخلص منها العبر والدروس، ففيها واجهت المملكة أحداثاً جساما، وظروفاً دقيقة، وتحديات بالغة، جعلت من أيامها وسنواتها اختباراً للقدرات وتمحيصاً للمواقف، على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية، داخلياً وخارجياً، إقليمياً ودولياً. فذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين تحمل في طياتها معاني جليلة، ودلالات هامة، وذكريات سامية، فتجديد البيعة والتذكير بها، يذكر الجميع بأنها عقد بالسمع والطاعة والعطاء الصادق والحفاظ على كيان الدولة وسلامتها، وضمان أمن المجتمع واستقراره ووحدته، وإدامة نموه وتقدمه في جميع مناحي الحياة؛ فمما قاله -حفظه الله- وأكد عليه بقوله: "أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار، وأن يحميها من كل سوء ومكروه". كما أن الاحتفاء بالذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين، فيه تذكير لمواطني بلدنا العزيز بضرورة الاعتصام بوحدة الصف والتمسك بمصالح الوطن ومكتسباته، والحفاظ على ثرواته ومنجزاته التي تم بناؤها على مدى العقود والسنين وخلال مسيرة طويلة من البناء وتراكم الجهود منذ نشأة هذه البلاد الطاهرة، فهي حق للآباء والأبناء، وذلك في مواجهة دواعي الفرقة والاختلاف، التي سعى ويسعى لها أعداء الوطن، الذين أعلنوا عن مخططاتهم، وأشهروا الحرب على بلادنا، وجمعوا كيدهم وإفكهم، تارةً بالأعمال الإرهابية، وتارةً بالحملات الإعلامية والدعائية التي ترتكز على الدعاوى الزائفة، والأفكار المضللة، والتفسيرات المغرضة. وخلال عامين من عهد خادم الحرمين الشريفين الميمون؛ تحقق الكثير من المشروعات والإنجازات والأعمال الجليلة، حيث أعاد هيكلة وتنظيم الوزارات والهيئات والمجالس الحكومية، ووحد الجهود، ووفر الموازنات، وجمع الوظائف، ودمج تخطيط ومتابعة وتكامل النشاطات والمهام في مجلسين رئيسين هما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية. وتم تتويج تلك الجهود بالاهتمام بمستقبل الوطن، وتم إطلاق رؤية المملكة (2030)، وما تضمنته من برامج ومشاريع وآليات تنفيذية؛ كبرنامج التحول الوطني (2020) الذي وضع وزارات الدولة وهيئاتها في مسارات التطوير المستقبلي المستمر من خلال السعي لتحقيق أهداف استراتيجية محددة، وفق مؤشرات ومعدلات التقييم الإقليمية العالمية. ومن دلالات الذكرى الثانية للبيعة أن نستذكر "عاصفة الحزم" وأبعادها التي حملت في طياتها نجدة المظلوم، ونصرة الجار، وقطع الطريق على تخطيط الأعداء ومكرهم؛ بتطويق المملكة وتهديد أمنها القومي، والتلاعب في مجالها الحيوي وعمقها الاستراتيجي في جنوب المملكة وفي دولة اليمن الشقيق، والتي توجت بعملية (إعادة الأمل) إعلاناً بتحقيق أهداف الحرب الأساسية، ومساعدة الأشقاء اليمنيين على استكمال استقلال بلادهم السياسي والعسكري، وتقديم المساعدات الإنسانية من خلال (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية). والذي وجه بتأسيسه، ورعاه خادم الحرمين الشريفين، والذي يمثل مركزاً سعودياً دولياً للأعمال الإغاثية والإنسانية الدولية، حيث كانت عملية (إعادة الأمل) لمساعدة الشعب اليمني الشقيق أول البرامج التي تولاها المركز بتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين. ومن معاني الذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين أن نستذكر أن المملكة أخذت على عاتقها التصدي لعدوان إيران، ونشاطاتها التوسعية والطائفية، التي هددت الأمن الإقليمي العربي، وحاكت المؤامرات والدسائس، وجندت أتباعها لتحطيم بلاد العرب، وهدم دوله، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، حتى أصبحت العدو الأول للمجتمعات العربية؛ فهبت المملكة في تحالفاتها وجهودها لنصرة إخواننا في البحرين والعراق وسورية ولبنان واليمن، وتحملت في سبيل ذلك القسط الأوفر والعبء الأكبر في نصرة أشقائها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. إن هذه المناسبة السعيدة تبعث في نفوسنا الفخر والاعتزاز بما أنجزه خادم الحرمين الشريفين، وتستحضر أهمية أن يدرك أبناء المملكة دقة هذه المرحلة التي تمر بها بلادهم وخطورة الأوضاع الإقليمية، وتراكم الأعباء الاقتصادية، مما يستدعي استذكار حقيقة البيعة، وما يترتب عليها من واجبات ومسؤوليات لكل مواطن من مواطني هذا البلد العزيز في الحفاظ على وطنهم، والعمل على ازدهاره وأمنه واستقراره. في هذه الذكرى الغالية؛ نجدد البيعة، لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، طاعة لله تعالى، ومحبةً في ولي أمرنا، كما أتوجه بالدعاء الخالص، والابتهال لله عز وجل أن يمد خادم الحرمين الشريفين، بعونه وتوفيقه، وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية، وأن يسدد خطاه، وأن يحقق على يديه آمال مواطنيه، وأن يديم على وطننا نعمة الأمن والاستقرار والنماء.