فرض الرئيس اللبناني جوزاف عون على جماعة «حزب الله» وإسرائيل أمراً واقعاً حين طرح مبادرة من خمس نقاط، تلتزم المسار العربي، وتتجاهل موانع تلك الجماعة بشأن التفاوض مع إسرائيل، وتُلزم حزب الله بموقف الدولة اللبنانية المتصل بحصرية السلاح، واحتكار قرار السلم والحرب. المبادرة التي يُنظر إليها على أنها «متكاملة»، وتهدف إلى إخراج لبنان من الأجندات الخارجية ومن دوامة الاقتتال الدائم، تضع حلاً للاستقرار على ضفتي الحدود مع إسرائيل، وتقوّض أي مساعٍ داخلية للتشويش على مساعي لبنان للخروج من أزماته المتراكمة، ومن توقه للنجاة أمنياً واقتصادياً، من خلال الارتباط الوثيق بالمسار التنموي العربي، ومسار الحلول الدبلوماسية والسياسية للقضايا الاقليمية، وفي صدارتها القضية الفلسطينية. ليس من وارد الصدفة أن يتوقف الرئيس عون عند القمة الأخيرة في واشنطن بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ أكد «أننا نرى مؤشرات مشجعة جداً لانطلاق هذا المسار»، متعهداً بأن لبنان «لن يتخلف عنه خطوة واحدة». وليس من الصدفة أن يعيد الرئيس عون توثيق الموقف اللبناني بالموقف العربي حيال القضية الفلسطينية وحل الدولتين بالقول إن «أي خطوة أبعد من الحدود، فنسير بها بالتنسيق والتلازم مع الموقف العربي الجامع»، ما يعني أن المفاوضات التي يطرحها مع إسرائيل تقتصر على المضمون الأمني لتثبيت الاستقرار، من دون المضي بأي خطوة خارج المسار العربي. تشكل المبادرة الرئاسية اللبنانية إعادة تموضع لبنان في الحضن العربي، خارج أي اصطفاف آخر سعت جماعة لاقتياد البلاد إليه منذ 40 عاماً. يعيد عون من خلال المبادرة صياغة الموقف اللبناني وموقعه الإقليمي. أما في الداخل، فيعيد ترتيب الأولويات الوطنية، ويلغي تمايزات يمكن أن تقوّض الاندفاعة نحو تثبيت الدولة اللبنانية مرجعاً نهائياً لأي قرار، ومحدداً أساسياً لمستقبل البلاد. من هنا، يمكن التمعّن في جغرافيا الخطاب، إذ أكد أنه «من أرض الجنوب، نقول لمن يرفض الاعتراف بما حصل إن الزمن تغير، وإن الظروف تبدلت، وإن لبنان تعب من اللادولة، وإن اللبنانيين تعبوا من مشاريع الدويلات». كما أكد «أننا كدولة، وأنا شخصياً كرئيس لهذه الدولة، نقف حيث تقتضي مصلحة الوطن وكل الشعب، لا مصلحة طرف أو حزب أو طائفة». إذن تقوم المبادرة على شقّين، أولهما رمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي بوصفه الشاهد على أي اتفاق يؤدي إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط اللبنانيةالمحتلة، وعلى استكمال انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، والتثبت من إنهاء حالة الاقتتال، وإزالة التهديدات التي تقوض الاستقرار، واستعداد الدولة اللبنانية لأن تتقدم من اللجنة الخماسية فورا بجدول زمني واضح محدد للتسلم، بالإضافة إلى جهوزية الدولة اللبنانية ل«التفاوض، برعاية أممية أو أمريكية أو دولية مشتركة، على أي اتفاق يرسي صيغة لوقف نهائي للاعتداءات عبر الحدود»، والثانية ذات امتداد داخلي، حين طرح أن «تتولى الدول الشقيقة والصديقة للبنان رعاية هذا المسار عبر تحديد مواعيد واضحة ومؤكدة لآلية دولية لدعم الجيش اللبناني، كما للمساعدة في إعادة إعمار ما هدمته الحرب، بما يضمن ويسرّع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت بحصر كل سلاح خارج الدولة، وعلى كامل أراضيها». عملياً، يستكمل هذا الخطاب مساراً تصاعدياً لإعادة بلورة موقف لبنان ووضعيته الداخلية، من تنفيذ «حصرية السلاح» والمضيّ بالإصلاحات وإعادة لبنان إلى خارطة الاهتمامات الدولية، وتثبيت الثقة العربية في لبنان، وعودته إلى الحضن العربي.