استطاع لبنان ليل الجمعة أن يطوّق جماعة «حزب الله» من محورين أساسيين، فمن جهة تبنّى خطة الجيش اللبناني لتنفيذ قرار «حصرية السلاح» على مراحل، بدءاً من استكمالها في منطقة جنوب الليطاني الحدودية مع إسرائيل في جنوبلبنان، ومن ناحية أخرى، حاصر تحركات ميليشيا حزب الله الميدانية التي يمكن أن تهدد الاستقرار الداخلي، عبر التذكير بأن نفاذ الورقة الأميركية «مشروط بموافقة كلٍّ من لبنان وإسرائيل وسوريا على الالتزامات الخاصة بكل منها». ويُنظر إلى جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت الجمعة، على أنها مفصلية كونها وضعت القرار التاريخي الذي اتخذه لبنان في 5 أغسطس/آب الماضي، على سكة التنفيذ، للمرة الأولى من 35 عاماً، وأعطت الجيش الغطاء السياسي للبدء بتنفيذه. حاولت ميليشيا «حزب الله»، تقويض الاندفاعة اللبنانية لتطبيق «حصرية السلاح»، عبر التلويح بالشارع، مما ينذر باستدراج شارع مقابل، مما يعني زعزعة الاستقرار الداخلي، وإشغال الجيش في مهام داخلية للتعامل مع التوتر. تحت ضغط هذه الهواجس، تحرك الرئيس اللبناني جوزاف عون لتأمين مرور سلس لقرار تطبيق «حصرية السلاح» وتبني خطة الجيش، من دون زعزعة الاستقرار. أرسل موفده العميد أندريه رحال إلى رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام لمحاولة وصل ما انقطع بين الرئيسين، وللتوصل إلى صيغة تؤمن تفويض الجيش بتنفيذ القرار السياسي، وتحبط مساعي جماعة «حزب الله» لضرب الاستقرار. عُقِدَت عدة اجتماعات ضمن زيارات مكوكية، وأثمرت صيغة لا تنتقص من حق الجيش بالتحرك لتنفيذ القرار السياسي، ولا تشغله في المهاترات الداخلية التي من شأنها أن تؤخر مهمته بسحب السلاح من ميليشيا حزب الله، كذلك من المخيمات الفلسطينية. والواقع أن الاستقرار الداخلي، وفق رؤية رئيس الجمهورية، يتصدر الأولويات اللبنانية في هذه المرحلة، فمن ناحية يتيح للجيش تنفيذ المهام المعقدة من دون إشغاله في مهاترات، ومن ناحية أخرى، يضع لبنان على سكة التعافي ويعزز الثقة الدولية بالجهود الرسمية اللبنانية لتطبيق الإصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية، ومخاطبة المجتمع الدولي. إضافة إلى ذلك، يتنامى التحريض المذهبي في الداخل بإيعاز من ميليشيا حزب الله، مرة تحت عنوان «ميثاقية القرارات»، ومرات أخرى تحت عناوين طائفية، مما يزيد المخاوف من أن تصل تداعيات هذا الخطاب الإعلامي إلى جسم الجيش اللبناني، وهو المؤسسة الوحيدة التي يعوّل عليها المجتمع الدولي لحماية الاستقرار وتنفيذ الإصلاحات الأمنية، وفي مقدمها «حصرية السلاح». من هنا أراد الرئيس عون تحييد المؤسسة العسكرية بالكامل عن المهاترات والادعاءات السياسية الداخلية، وأنتج صيغة تعطي الجيش كامل الحرية بالتقدير والحركة لتنفيذ المهمة، بغطاء سياسي كامل فاستفاد الجيش من هذا الغطاء لإظهار قوته التي برزت في انتشاره على مداخل ضاحية بيروتالجنوبية (معقل جماعة حزب الله) عشية الجلسة الحكومية وبالتزامن مع انعقادها. كما برزت في الخطة نفسها التي تلتزم بسحب السلاح على كافة الأراضي اللبنانية، ومنع نقله خلال مراحل تنفيذ القرار. من هذه الخلفيات، وبغياب الوزراء الشيعة، رحّب مجلس الوزراء بالخطة التي وضعتها قيادة الجيش ومراحلها المُتتالية، لضمان تطبيق قرار بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية حصراً، وحصر السلاح بيد السلطات الشرعية. أخذت الحكومة علماً بها، وفقاً لما هو منصوص في «اتفاق الطائف» والقرار 1701 وخطاب القسم لرئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة الحالية، التي أكد عليها بتفصيل ووضوح كاملين، إعلان وقف الأعمال العدائية من قبل الطرفين. وقد قرر مجلس الوزراء الإبقاء على مضمون الخطة ومداولاته بشأنها سرياً، على أن ترفع قيادة الجيش تقريراً شهرياً بهذا الشأن إلى مجلس الوزراء. بذلك، تكون الاتصالات السابقة للجلسة، التي تولاها الرئيس عون، نجحت في منع جماعة «حزب الله» من التشويش على مقرراتها، وبدا لافتاً أنه حتى الالتزام بإعداد «إستراتيجية أمن وطني»، جاء في سياق تحقيق مبدأ بسط سيطرة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصرية السلاح بيد الدولة، وهو ما لم يعهده لبنان على مدى 35 عاماً.