ميناء العقير الواقع على الساحل الشرقي للأحساء بالمملكة العربية السعودية من أقدم الموانئ في الخليج العربي، ونافذة فريدة مطلة على التاريخ منذ القدم، ومركز للتواصل التجاري والثقافي والحضاري بين الجزيرة العربية والعالم الخارجي، وشاهد على تحولات سياسية وأمنية هامة في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. ولا يقتصر دوره على كونه ميناءً تجاريًا فحسب، بل هو رمز وطني خالد، ومثال على قدرة القيادة السعودية على الجمع بين السياسة والجغرافيا والاقتصاد في بناء الدولة الحديثة. اليوم يبرز في رؤية المملكة 2030 كموقع تراثي وواجهة سياحية تعكس مراحل تطور الدولة وتعزز التنمية الاقتصادية. حيث تشير الدراسات الأثرية إلى أن ميناء العقير كان مأهولًا منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وكان محطة رئيسية للقوافل البحرية بين حضارات وادي الرافدين والهند وجزيرة العرب. ولعب العقير دورًا محوريًا في شبكة التجارة البحرية القديمة، بما شمل من تصدير التمور واستيراد المؤن والسلع الضرورية لسكان المنطقة. أدرج ميناء العقير ضمن مشاريع التطوير السياحي والتراثي الكبرى، بوصفه موقعًا وطنيًا يعكس مراحل تأسيس الدولة السعودية. شرعت هيئة التراث وهيئة تطوير الأحساء في ترميم القلعة والأسواق والمرافق التاريخية، وتحويل الموقع إلى وجهة سياحية ومنارة ثقافية عالمية تجمع بين الأصالة والتطور، مما يعزز الاقتصاد الوطني ويخلق فرصًا للتنمية المستدامة. ميناء العقير ليس مجرد أطلال صامتة، بل صفحات ناطقة من ذاكرة الوطن، تحكي عن سفن رست على شاطئه وقوافل انطلقت من أرصفته بما تحمله تلك السفن من سلع حيوية منه وإليه، ليكون منطقة التقاء، ونقطة ارتكاز لدول عظمى التقت على رماله لتصاغ فيه تلك الاتفاقيات التي تعكس شموخ القيادة وبراعة الدبلوماسية وعبقرية الجغرافيا، وصناعة الأمن والاقتصاد والسياسة في المملكة، لتغيّر تلك البنود مجريات التاريخ، وعلى آثارها تتجلّى ملامح الدولة السعودية الحديثة. ويظل العقير منارة تذكّر الأجيال القادمة بهويتها الوطنية وسيادتها التاريخية، فهو شاهد صامت ناطق على مرحلة التأسيس السياسي الحديث للمملكة، ومثال على التمثيل الدبلوماسي المبكر الذي أدار من خلاله الملك عبدالعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية وبكل التعاملات السلمية التي أكسبت المنطقة أمناً واستقراراً؛ بداية من ترحيل العثمانيين معززين مكرمين وبدون قتال وحقن دمائهم كمسلمين، ومرة أخرى بعد مرور تسعة أعوام يكون في نفس المكان التفاوض مع الدول العظمى بحضور دول الجوار العراق والكويت لترسيم حدود المملكة، والحصول على الاعتراف العالمي تمهيداً لفرض السيادة التامة؛ والمفاوضات الأخرى مع الشركات الأمريكية بعد عدم الاتفاق مع الشركات البريطانية للتنقيب عما استودعه الله في باطن الأرض المباركة من خيرات، ليعم الخير على الوطن وينعم بثرواته. لوحة فنية تعكس عبقرية الجغرافيا السعودية التي جمعت بين أمواج البحر الهادئة ورمال الصحراء الناعمة، ومدونة للتاريخ الجميل أسهمت في بناء الدولة الحديثة، بما يجعل العقير مرآة للسياسة الوطنية والتخطيط الإستراتيجي لمستقبل واعد.