منذ أن أشرقت شمس التوحيد على هذه الأرض المباركة، والمملكة العربية السعودية تسير على نهجٍ فريدٍ يجمع بين العلم والإيمان، وبين الدعوة والبناء، لتكون أنموذجًا رائدًا في الجمع بين أصالة الدين ومتطلبات النهضة. أدرك الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - منذ البدايات أن العلم هو الدعامة الأولى لبناء الدولة وترسيخ هويتها الدينية والوطنية، فكان العلماء في فكره وواقعه شركاء في التأسيس، ومراجع في الفتوى والإرشاد، وحماة للعقيدة من الانحراف والبدع. ومن هذا الفهم العميق وُلِد النهج السعودي القائم على تمكين العلماء، وإعلاء مكانتهم، وجعلهم مصدر التوجيه الشرعي والفقهي في حياة الأمة. وسار أبناء المؤسس من بعده - رحمهم الله جميعًا - على هذا النهج الراسخ، محافظين على الدور المحوري لهيئة كبار العلماء ومؤسسة الإفتاء، التي شكّلت عبر العقود منارةً مضيئة للعالم الإسلامي، يتجه الناس إلى فتاواها لما تمتاز به من وضوح المنهج، وثبات في المبدأ، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - تتجدد العناية السامية برجال العلم، ويزداد حضور العلماء في مختلف الميادين الفكرية والتعليمية والدعوية. وقد جسّد الأمر الملكي الأخير بتعيين سماحة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية هذا النهج الأصيل، تأكيدًا لاستمرار الدولة في ترسيخ منهجها القائم على الوسطية والاعتدال والعقيدة السلفية النقية. تعيين العلامة الفوزان - وهو أحد كبار علماء الأمة المعاصرين وركيزة من ركائز الدعوة السلفية - لا يُعد قرارًا إداريًا فحسب، بل هو رسالة تؤكد التزام المملكة بثوابتها العقدية، وتجديدٌ للعهد بأن تبقى هذه البلاد حصنًا للعقيدة، وقلعةً للعلم، ومنارةً للدعوة السلفية في العالم الإسلامي. المملكة هي بلاد الحرمين الشريفين، ومأرز الإيمان، ومنطلق الدعوة التي أحيت السنة وأبطلت البدعة، وحافظت على صفاء الدين من التحريف والتأويل الباطل. لهذا، فإن مكانتها المرموقة بين الأمم لم تأتِ من ثروتها أو قوتها السياسية فقط، بل من ثباتها على المنهج الحق، ورفعها راية التوحيد. ولا يخفى أن بعض الجهات المعادية للمملكة إنما تعادي في حقيقتها هذا الثبات على العقيدة الصافية. غير أن تلك المواقف لم تزِدها إلا إصرارًا وتمسكًا بمبادئها، وإيمانًا بأن ما قامت عليه من منهجٍ شرعي هو سر عزّها ورفعتها. وما يميز المملكة عن غيرها من الدول هو هذا التوازن الفريد بين التحديث والتمسك بالثوابت، فهي تمضي في نهضةٍ شاملة، يقودها ولي العهد الطموح في مختلف المجالات - من الاقتصاد والتعليم إلى التقنية والثقافة - دون أن تفقد جذورها الدينية الراسخة، لتبقى دولةً عصريةً بهويتها الإسلامية وأصالتها المتفردة. وهكذا تواصل المملكة، بفضل الله ثم بفضل قيادتها الحكيمة وعلمائها الأجلاء، أداء رسالتها الخالدة: نشر العلم، وترسيخ التوحيد، وخدمة الإسلام والمسلمين.