ومضى الأول من أكتوبر الذي يوافق اليوم العالمي لكبار السن، ليذكر العالم بأهمية هذه الفئة الغالية التي تحمل في وجدانها خبرة السنين، وحكمة التجارب، وسيرة العطاء الطويل. إن كبار السن هم آباؤنا وأمهاتنا، ومن بذلوا جهدهم في بناء المجتمع، وسقوا الوطن بعرقهم وإخلاصهم، فكان حقّاً على الجميع أن يردّ لهم الجميل وفاء وتقديراً. وقد أولت المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً بكبار السن، إدراكاً منها أن رعايتهم ليست عملاً اجتماعياً فحسب، بل واجب ديني وإنساني ووطني. ففي ديننا الحنيف حث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، على توقير الكبير واحترامه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"، فكان الإحسان إلى كبار السن سمة من سمات المجتمع المسلم، وقيمة راسخة في سلوك أبنائه، تتجلى في البر، والرعاية، والتقدير. وهي رعاية تستمد قيمها في المجتمع السعودي من الشريعة الإسلامية، يتجذر الاحترام فيها للكبير كقيمة أخلاقية ودينية متوارثة، تتجاوز حدود المساعدة المادية إلى الاحتفاء المعنوي. فالكبير في ثقافتنا هو مصدر البركة والدعاء والخبرة، ومكانته محفوظة في كل بيت. وقد ترسخت هذه القيم في الأنظمة والسياسات الوطنية التي تُعنى بهذه الفئة، لتتحول من عاطفة دينية إلى منظومة عمل مؤسسية تُجسد روح الإسلام في واقع الحياة. وضمن هذا التوجه، تعمل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، على تقديم خدمات شاملة لكبار السن، تُلبي احتياجاتهم الصحية والاجتماعية والنفسية. فقد أنشأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية دور الرعاية الاجتماعية المنتشرة في مناطق المملكة، لتستقبل كبار السن الذين لا يجدون من يرعاهم، وتوفر لهم السكن الكريم والرعاية الطبية والتغذية والعلاج الطبيعي، إضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والترفيهية التي تحفظ لهم روح المشاركة والكرامة. كما أطلقت وزارة الصحة برامج متعددة للعناية بكبار السن، من بينها العيادات المتخصصة في أمراض الشيخوخة، وبرامج الرعاية المنزلية التي تصل إلى بيوتهم لتقديم الخدمات الطبية والتمريضية لهم، حفاظاً على صحتهم وجودة حياتهم. وقد شملت هذه الجهود أيضاً تقديم الأجهزة الطبية المساعدة مثل الكراسي والأسرة والأدوات العلاجية مجاناً للفئات المحتاجة. وفي إطار تشريعات تحمي الحقوق الاجتماعية لكبار السن، صدر نظام حقوق كبير السن ورعايته بمرسوم ملكي رقم (م/47) بتاريخ 3/ 6/ 1443 ه. ويتكون النظام من عدة مواد ترسم الإطار القانوني لحماية كبار السن، وضمان حقوقهم وتحديد التزامات الجهات المعنية (الأسرة، الدولة، الجهات الخدمية) تجاههم. كما تم إصدار اللائحة التنفيذية للنظام، التي تضع الضوابط التفصيلية لتطبيق أحكامه. وقد جاءت رؤية المملكة 2030 لتُرسخ هذا التوجه، من خلال أهدافها المرتبطة بتحسين جودة الحياة وتعزيز الرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية المستدامة. فالرؤية لم تنظر إلى كبار السن على أنهم فئة تحتاج إلى رعاية فحسب، بل اعتبرتهم ركناً أساسياً في التنمية المجتمعية، ورافداً للخبرة والمعرفة. ومن هذا المنطلق، تعمل الجهات الحكومية على تمكين كبار السن من المشاركة في الحياة العامة، وتفعيل دورهم في التطوع والإرشاد الاجتماعي، بما ينسجم مع مبدأ "مجتمع حيوي" الذي تُنادي به الرؤية وتعمل عليه. وفي كل عام، يُصاحب اليوم العالمي لكبار السن في المملكة فعاليات توعوية واسعة، تُنظَّم فيها الندوات والمعارض والزيارات، لتسليط الضوء على حقوق كبار السن، ودورهم في المجتمع، وواجب الأبناء تجاههم. وتُكرّم الدولة عبر هذه المناسبات النماذج الملهمة من كبار السن الذين قدموا إنجازات وطنية أو تطوعية، في صورة تعبر عن الوفاء والاعتزاز بالعطاء المتواصل. ما تقدمه المملكة العربية السعودية لكبار السن ليست مجرد خدمات، بل هو تجسيد لرسالة إنسانية ودينية عميقة؛ رسالة الوفاء لمن صنعوا الحاضر، وحق الاحترام لمن سبقونا بالعطاء. ومع تطور الخطط الوطنية الصحية والاجتماعية، يُنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة توسعًا أكبر في البرامج النوعية، والرعاية المجتمعية، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمسنين، حتى يظلوا جزءًا فاعلًا من نسيج المجتمع. رعاية كبار السن في المملكة ليست شعاراً ليوم واحد فحسب، بل نهجٌ أصيلٌ نابعٌ من الدين، ومترسّخٌ في القيم الوطنية، ومؤطرٌ في الرؤية المستقبلية. فهؤلاء الكبار هم ذاكرة الوطن، ومن حفظ الذاكرة حفظ الهوية، ومن صانهم صان المستقبل. حفظ الله المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً فهي نبراس وقدوة في كثير من البرامج والخطط التي أثبتت للعالم أجمع بنجاح خططها ورؤيتها.