تشارك المملكة دول العالم في الاحتفال باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين الذي يصادف الخامس عشر يونيو من كل عام، إيماناً منها بأهمية هذه الفئة الغالية في المجتمع، وذلك بمنظومة من الخدمات والرعاية الصحية الشاملة والبرامج الرعوية والتأهيلية، مجندة 12 داراً للرعاية الاجتماعية المنتشرة بمناطق المملكة الملتزمة بمسؤولياتها تجاه حقوق كبار السن في إطار جودة الحياة التي تنشدها رؤية المملكة 2030. وتُولي حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- اهتماماً بالغاً برعاية المسنين، لتحسين مستوى معايشتهم في منظومة المجتمع، وتحقيق التكاملية بين القطاعات التي تخدمهم وتعزز مكانتهم وإبراز دور هذه الشريحة التي أفنت حياتها بالعطاء والتضحية في خدمة الوطن. وتشارك الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الجهات الحكومية والأهلية الأخرى في تفعيل هذه المناسبة بقطاعاتها كافة عبر تنفيذ العديد من الفعاليات في فروع الوزارة بمختلف مناطق المملكة، وتنفيذ برامج تخدم قطاع المسنين وندوات توعوية وتثقيفية بحقوق المسنين موجهة لأفراد المجتمع، بالإضافة لتفعيل برنامج الزيارات المدرسية لدور الرعاية الاجتماعية وإقامة ورش عمل ودورات تدريبية. رعاية المسنين واجب ديني ووطني توقير واحترام وتقدم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمملكة لفئة كبار السن خدمة الرعاية الإيوائية في دور الرعاية الاجتماعية المنتشرة بمناطق المملكة، بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية، وتشمل الخدمات تقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين من المسنين وأسرهم، عبر وكالة الضمان الاجتماعي، والأجهزة التعويضية من كراسي متحركة وأسرة طبية، وبرنامج الرعاية المنزلية للمسنين داخل إطار الأسرة من خلال برنامج زيارات متابعة لهم، وتهدف الوزارة من خلال التفاعل مع هذا اليوم إلى التأكيد على أن القيم الإسلامية الحميدة تدعو إلى توقير واحترام المسنين، وإبراز دورهم في تنمية وخدمة المجتمع وقدرتهم على العطاء، والاستفادة من خبراتهم وطاقاتهم المهنية والعلمية، والتعريف بالجهود المحلية والدولية المتعلقة بفئة المسنين، ومساندتهم ورفع مستوى الوعي بحقوقهم والاهتمام بهم. وترى وزارة الصحة السعودية أن إساءة معاملة كبار السن تتمثل في عمل وحيد أو متكرّر، أو في امتناعٍ عن اتخاذ الإجراء المناسب، ويحدث ضمن أيُّة علاقة يُتوقع أن تسُودها الثقة، ممّا يتسبّب في إلحاق ضرر أو كرْب للشخص المُسن، كما يشكّل هذا النوع من العنف انتهاكًا لحقوق الإنسان؛ حيث يشمل الإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي؛ والإيذاء المالي والمادي؛ والهجر؛ والإهمال؛ وإهدار الكرامة والاحترام على نحو خطير، ويُقام اليوم العالمي للتوعية ضد إساءة معاملة كبار السن في 15 يونيو من كل عام؛ حيث يمثل اليوم الوحيد في العام الذي يُعرِب فيه العالم كله عن معارضته للإساءة والمعاناة، التي تلحق ببعض آبائنا وأجدادنا من كبار السن. نظُم رعاية وبمناسبة اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين فقد كتبت الأممالمتحدة عبر موقعها أنه على الرغم من اتساع نطاق الوعي بقضية إساءة معاملة كبار السن، لا تزال الفجوات شاسعة بين ما يُفترض وما هو قائم، إذ تفتقر بلدان عديدة إلى بيانات دقيقة ومُفصّلة، فيما تُفاقم أوجه القصور في عدد العاملين والتأهيل المهني المخاطرَ المحدقة بالمقيمين، وقد كشفت دراسة أيدتها منظمة الصحة العالمية أن ما يقارب ثلثي العاملين في المرافق المؤسسية أقرّوا بممارسة سلوكيات مسيئة خلال العام الماضي، في مؤشر صارخ إلى حاجة مُلحّة لإصلاح منهجي شامل. وفي هذا السياق، يسلّط يوم التوعية العالمي بإساءة معاملة كبار السن 2025 الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها كبار السن في مرافق الرعاية طويلة الأمد، وهي مسألة آخذة في التفاقم مع تزايد الاعتماد على هذا النمط من الرعاية في ظل تسارع شيخوخة المجتمعات، ورغم أن الغالبية العظمى من كبار السن يواصلون العيش في كنف أسرهم ومجتمعاتهم، فإن الرعاية المؤسسية تُشكّل ملاذًا ضروريًّا لكثيرين، مما يفرض واجبًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا بصون كرامة المقيمين وسلامتهم وحقوقهم، ومع اتساع رقعة التقدّم في العمر، يزداد الإلحاح على بناء نظم رعاية تصون الإنسان في ضعفه، وتحفظ له احترامه حين تذبل قواه، وبالنظر إلى التقدّم في أعمار السكان حول العالم والاعتماد المتزايد على دور الرعاية، تزداد الحاجة الملحّة لضمان سلامة المقيمين وصون كرامتهم. تأثير اجتماعي وكل بلدان العالم تقريباً تشهد نمواً في أعدد كبار السن بين سكانها ونسبتهم، ومن المتوقع أن تكون الشيخوخة واحدة من أبرز التحولات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، حيث ستؤثر في جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية، والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية، فضلاً عن البُنى الأسرية والروابط بين الأجيال، وهناك زيادة في أهمية كبار السن باعتبارهم من المسهمين في التنمية ممن ينبغي أن تدمج قدراتهم على العمل للنهوض بأنفسهم ومجتمعاتهم في السياسات والبرامج على جميع المستويات، وفي العقود المقبلة، ستواجه كثير البلدان ضغوطاً سياسية ومالية بسبب النظم العمومية فيها مثل نظم الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وإتاحة الحماية للشريحة المسنة، وأحدث الاتجاهات في شيخوخة السكان وفق ما نشرته الأممالمتحدة، فوفقاً للتقرير الخاص بالتوقعات السكانية العالمية 2022، فإن عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً ينمو بسرعة أكبر من عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن ذلك. ندوب نفسية وتتزايد نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فما فوق بمعدل أسرع من أولئك الذين تقل أعمارهم عن ذلك العمر، وهذا يعني أن من المتوقع أن ترتفع النسبة المئوية لسكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق من 10 % في عام 2022 إلى 16 % في عام 2050، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن يتضاعف عدد الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر في جميع أنحاء العالم عدد الأطفال دون سن خمس سنوات ويعادل تقريباً عدد الأطفال دون 12 عاماً، ونشرت الأممالمتحدة وقائع وأرقام تقول: إنه بحلول عام 2050، سيكون شخص من كل ستة أشخاص في العالم قد تجاوز 65 عامًا، واحد من كل ستة أشخاص تجاوزوا 60 عامًا تعرّض لشكل من أشكال الإساءة في مجتمعه خلال العام الماضي، وهذه الانتهاكات لا تقتصر على الأذى الجسدي، بل تخلّف ندوبًا نفسية قد تمتد لسنوات، ومع تسارع وتيرة الشيخوخة، يُتوقّع أن تتضاعف معدلات الإساءة في غياب استجابات فعّالة، وقد تَمثّلَ ذلك جليًّا في جائحة كوفيد-19، حيث سُجّلت 82 % من الوفيات بين من تجاوزوا الستين عامًا. القيم الإسلامية تدعو إلى توقير واحترام المسنين تصدي للتحديات وتضيف الأممالمتحدة أن مواجهة إساءة معاملة كبار السن مسؤولية مشتركة في عالم يشيخ سريعًا، ومن المنتظر أن يرتفع عدد المسنّين في العالم من مليار نسمة في عام 2019 إلى مليار وأربعمائة مليون نسمة بحلول عام 2030، متجاوزين بذلك عدد الشباب، وسيتجلّى هذا النمو بأكثر صوره تسارعًا في البلدان النامية، الأمر الذي يُحتّم التصدّي لتحديات الشيخوخة بمنظور حقوقي وإنساني متكامل، ورغم شيوع هذه الظاهرة في المجتمعات كافة، فإن إساءة معاملة كبار السن تظلّ من المسائل المسكوت عنها، فالتقديرات المتوفرة -التي تتراوح بين 1 % و10 %- مقتصرة على دول متقدمة، ولا تعكس حقيقة الواقع في باقي أنحاء العالم، غير أن عمق الأثر الاجتماعي والأخلاقي لتلك الانتهاكات لا يحتاج إلى إحصاء لإثباته، فالحاجة إلى استجابة عالمية متعددة الأبعاد باتت أمرًا لا يحتمل التأجيل، استجابة تُعلي من كرامة الإنسان وتُرسّخ حقوقه في كبره، كما ينبغي أن تُفهم إساءة المعاملة في سياقها الثقافي والاجتماعي، إذ تختلف تجلياتها من بيئة إلى أخرى، ففي بعض المجتمعات التقليدية، تُجبَر الأرامل المسنات على الزواج القسري، وفي أخرى تُتَّهم النساء المسنات بالسحر، في ممارسة لا تقلّ عنفًا عن أي انتهاك صريح، وإن عجزت الرعاية الصحية الأولية والخدمات الاجتماعية عن رصد هذه الانتهاكات ومعالجتها، فلن تكون إلا طيفًا غائبًا عن عين الرقيب. وترى الأممالمتحدة أن العالم يتّسع للجميع، وترى التصدي للتمييز القائم على السنّ، فحين ننظر إلى الإنسان من زاوية عمره، فإننا نخسر رؤية جوهره، فالأحكام المسبقة المرتبطة بالعمر تعرقل تصميم السياسات والبرامج المنصفة للمسنّين والشباب على حد سواء، ولأجل تغيير هذه السردية المجحفة، دشّنت منظمة الصحة العالمية حملة عالمية تهدف إلى القضاء على التمييز القائم على السن، وبناء عالم يليق بكل فئاته العمرية.