في زمنٍ تتزاحم فيه التحديات وتُثقل المسؤوليات كواهل الآباء والأمهات، يبرز أحد المربين الأفاضل كنموذجٍ فريد ومُلهم لمعادلة النجاح في أصعب صورها: الجمع بين العدل الأسري والإنجاز التربوي والإسهام الوطني. هذا المربي الفاضل الذي جمع بين قلبٍ رحيم وعقلٍ حكيم، عاش حياته وهو يبني الإنسان قبل أن يبني أي شيء آخر (في مدرسته كمعلم وبيته كمربٍ). جمع بين ثلاث نساء، وكان في ذلك امتحاناً عسيراً لميزان العدل الذي أوصى به الشرع، غير أن هذا المربي لم يكن كغيره؛ فقد أقام المساواة بين زوجاته في المسكن والمأكل والمشرب والمعاملة، حتى غدت حياته صورةً واقعية لما يجب أن تكون عليه القيم الإسلامية في أبهى صورها. لكن أعظم ما سطّره هذا الرجل هو ما حصدته يداه في تربية الأبناء. فقد أنشأ أبناؤه على حب العلم والانضباط والتكامل الإنساني، حتى أثمرت جهوده عن 12 طبيباً وطبيبة من صُلبه، يعملون اليوم في خدمة وطنهم ومجتمعهم، بينما واصل الابن الثالث عشر طريقه في مقاعد كليات الطب، ماضياً على خُطى إخوته. قد يتفاخر بعض الآباء بخروج طبيب واحد من بين أبنائهم، وقد يعجز آخرون عن توجيه ابن واحد إلى مقاعد الطب رغم توافر الإمكانات، غير أن هذا الأستاذ الفاضل استطاع أن يصنع ملحمة أسرية فريدة: جيلاً كاملاً من الأطباء، رجالاً ونساءً، يجمعهم الإخاء رغم اختلاف الأمهات، وتوحدهم رسالة العطاء رغم تباين الأعمار. إنها ليست قصة عابرة، بل ظاهرة تستحق التوثيق. كيف لرجل واحد أن يُتابع مسيرة ثلاثة عشر ابناً وابنة في أصعب وأندر التخصصات، في ظل تعقيدات الحياة وصعوبة المتابعة، ثم يصل بهم إلى قمة المجد العلمي والوظيفي؟ إنها قدرة خارقة لا تُقاس بالمعايير المادية، وإنما بصدق النية، وصبر التربية، وحكمة القيادة داخل البيت. ووعي وتعاون الأمهات حتى وإن كُن زوجات لرجل واحد. لقد قدّم المربي الفاضل الأستاذ علي بن سعد آل مانع للمجتمع والوطن أكثر مما تقدمه مؤسسات كاملة. أن يُخرج ثلاثة عشر طبيباً وطبيبة هو في حد ذاته خدمة وطنية عظمى، لأن الطب رسالة حياة، وهؤلاء الأبناء اليوم يُعيدون للوطن بعض ما بذله والدهم من جهدٍ وسهرٍ وتربية. وما أجمل أن تُضاف إلى هذه الإنجازات صورة الأسرة المتماسكة، حيث بقيت المحبة والأخوة سمة بارزة بين الأبناء، رغم أنهم من ثلاث أمهات مختلفات، وكأن الرجل لم يعدل بينهم في المسكن والعيش فحسب، بل عدل بينهم في غرس الحب في القلوب، حتى تجسدت أسمى معاني الترابط العائلي. ولعل أصدق تكريمٍ لهذا الرجل من القيادة الرشيدة هو ما قام به الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز أمير منطقة عسير، حين استقبل هذا المربي الفاضل وأبناءه في مكتبه ثم زارهم في منزلهم، شاكراً جهوده، ومحفّزاً أبناءه على الاستمرار في خدمة دينهم ووطنهم. وهي زيارة تحمل في طياتها رسالة تقدير من القيادة الرشيدة لكل من يسهم في بناء هذا الوطن العظيم. نداء ورسالة: إن قصة هذا المربي الفاضل ليست للتفاخر بقدر ما هي درس بليغ للأسر والمربين: أن بالإمكان – بالإخلاص والصبر والعدل – أن نصنع جيلاً متعلماً نافعاً لوطنه. وهي في الوقت ذاته دعوة للمؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية إلى تبنّي مثل هذه النماذج المشرقة، والاحتفاء بها، ونشر قصصها لتكون قدوة تُحتذى. ونحن ننشر قصته في هذا المنبر الإعلامي الكبير (صحيفة «الوطن» الغراء) من باب نشر النماذج الحسنة البناءة في مجتمعنا العظيم. لقد كان هذا المربي بحق ظاهرة تربوية ووطنية، وما أروع أن تُحوّل سيرته إلى كتاب يُدرَّس للأجيال، ليعرفوا أن العطاء الأسري إذا صلح، صلح معه المجتمع والوطن بأسره. حفظ الله وطننا العظيم وأدام ولاة أمرنا عزاً وفخراً لنا.