«أنا ترعّرت في البادية... فلا أعرف أصول الكلام وتزييقه... ولكن أعرف الحقيقة عارية من كل تزويق... إن فخرنا وعزنا بالإسلام». «لستُ ممن يفخرون بألقاب الملك ولا بأُبَّهته، ولستُ ممن يولعون بالألقاب ويركضون وراءها؛ وإنما نحن نفتخر بالدين الإسلامي، ونفتخر بأننا دعاة مبشّرون لتوحيد الله ونشر دينه، وأحبّ الأعمال إلينا هو العمل في هذا السبيل». ما أجمل هذه الأقوال للملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله، التي تدل أن العزّة ليست في القوة المادية أو الترف، بل في قوة الإيمان والالتزام بالقيم والثقافة، عزة بطبع ومصدر داخلي لا يحتاج إلى تفاخر ولا تحتاج أن تُعلن أو تُبهر، بل تُظهرها الأفعال والتمسك بالهوية الوطنية. العِزّة ليست ثوبًا نرتديه وقت ما نشاء، أو شعارات تردد في المحافل ولا موقفًا عابرًا يقال في ساعة غضب بل هي طبع أصيل يسكن في نفوس الشعب السعودي، الذي يملك العزة ويحيا بكرامة، ويرفض الذلّ والهوان. عزّنا بطبعنا ليس مجرد شعار، بل هو جوهر القوة الهادئة التي تميّز الشخصية السعودية؛ قوة تنبع من الأصالة، وتُترجم إلى حضور واثق على الساحة الدولية، جعل المواطن السعودي مثالًا يُحتذى به في الريادة والمسؤولية. قال الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله: «فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من العتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد»، وهذه الكلمات تختصر جوهر النهضة السعودية أن العزة لا تُبنى على السلاح وحده، بل على يقين الإيمان، وثبات العقيدة. وهذا ما يُؤكده قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ فالعزة حقٌّ إلهي يُمنح لمن تمسك بالإيمان، وعمل به. ومن هنا، نفهم أن «عزّنا بطبعنا» ليس مجرد تعبير عن الفخر بالهوية، بل هو امتداد لهذه العزة الإيمانية التي بدأت مع التوحيد، وتجسدت في تأسيس وطن، وأصبحت اليوم سِمة أصيلة للمواطن السعودي. إن العزة لها أثر كبير في بناء الإنسان والمجتمع، فهي تصنع فردًا واثقًا بنفسه، مبدعًا في عمله، كما تُنتج مجتمعًا متماسكًا، مستقلًا في قراره، وقد جسّد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - هذه العزة في أقواله وأفعاله، حين قال: «لقد ملكتُ هذه البلاد التي هي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية، وكل فرد من شعبي هو جندي.. وفي اليوم الذي لا يريدونني زعيمًا لهم، أعود إلى الصف، وأحارب معهم بسيفي كأصغر واحد فيهم». في هذا التصريح يتجلى التواضع النابع من عزة النفس؛ فهو لا يرى المنصب امتيازًا، بل مسؤولية وأمانة، هذا القول يُظهر رؤيته لمجتمع تتشارك فيه العزة بين القائد والشعب، فلا يشعر أي فرد بالدونية، ويشعر كل شخص بقيمته ومكانته. العزة هنا ليست فردية فقط، بل تتسرب إلى المجتمع كله، فتخلق ثقة جماعية بالقدرة على مواجهة التحديات، مؤكّدًا أن القائد الحقيقي يسير مع شعبه لا فوقهم. كما قال أيضًا: «وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أفضل نفسي عليهم، ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». وهذا دليل على أن العزة الحقيقية لا تقوم على التسلط، بل على الالتزام بالمبادئ، والعدل، والعمل لما فيه مصلحة الجميع. هكذا تُبنى الأمم العزيزة، بقيادات متواضعة، وشعوب واثقة، وقيم راسخة. إن العزة، كما هي قيمة دينية ووطنية، فإن لها كذلك أثرًا نفسيًا بالغًا في بناء شخصية الفرد وصحته النفسية. فعندما يترسّخ في وجدان الإنسان أن «عزّنا بطبعنا»، فإنه يعيش في حالة من الرضا الداخلي، والثقة بالنفس، والاستقرار العاطفي، لا يرضى بالدونية. فعزة النفس تمنح الإنسان شعورًا بالقيمة الذاتية، وتجعله أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، وتحميه من القلق، والتردد، والانكسار النفسي. وكلما كان الإنسان معتزًا بدينه، وهويته، وتاريخه، كان أكثر قدرة على الإنتاج، وأكثر توازنًا في تعامله مع الآخرين. وتُشير الدراسات النفسية إلى أن ضعف التقدير الذاتي من أبرز أسباب القلق والاكتئاب، بينما ترتبط العزة ارتباطًا مباشرًا ب«الوقاية النفسية»، لأنها تنبع من احترام الذات والانتماء الحقيقي. وهنا نجد أن «عزّنا بطبعنا» قيمة علاجية ونفسية تسهم في بناء الإنسان السعودي المتوازن، الواثق، الفاعل. وهكذا، تتحول العزة من شعور فردي إلى طاقة مجتمعية تصنع مجتمعًا متماسكًا، واثقًا، قادرًا على التقدم بخطى ثابتة، مستندًا إلى إرث عظيم وقيم راسخة. أن «عزّنا بطبعنا» منهاج حياة، ومبدأ راسخ في قلب كل مواطن سعودي. إنها عزة مستمدة من الإيمان، متجذّرة في القيم، ومحفورة في ذاكرة التاريخ الذي صنعه رجال أوفياء، على رأسهم الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - الذي علّمنا أن القوة الحقيقية ليست في مظاهر السلطة، بل في صدق النية، وثبات المبدأ، والعمل من أجل رفعة الوطن. وفي زمن تتقلب فيه القيم، تظل العزة السعودية ثابتة لا تهتز، لأنها لم تُبنَ على المظاهر الزائلة، بل على الإيمان والتلاحم بين القيادة والشعب، وعلى هوية لا تتبدل ولا تُباع. إنها العزة التي لا تصرخ، بل تُثبت نفسها بالفعل، ولا تُفرض بالقوة، بل تُكتسب بالثقة والاحترام. وهكذا نمضي نحو المستقبل، واثقين أن عزّنا باقٍ ما دمنا متمسكين بطبعنا، بهويتنا، وبديننا.. فالعزة لا تُمنح، بل تُستحق.