في الخامس والتسعين من أعوام المجد، تحتفي المملكة العربية السعودية بيومها الوطني، يوم التوحيد الذي وحّد الأرض والإنسان والراية، وصاغ من الشتات وطنًا واحدًا له قلبٌ نابض وروحٌ خضراء. ويأتي هذا العام بشعار بليغ المعنى، عميق الدلالة: «عزّنا بطبعنا»، ليعيد إلى الأذهان أن هذه الأرض لم تصنع عزّتها بمصادفة، ولا صنعت مجدها بظرفٍ عابر، وإنما وُلدت العزّة فيها مع طبع أهلها، فكانت هويتهم ووجودهم ومعناهم. لقد علّم التاريخ أن العزّة التي تُستعار تزول، وأن المجد الذي يُفرض ينهار، أما العزّة التي تُصاغ من الطبع فتبقى ما بقيت الأرض والإنسان. فمنذ فجر الإسلام الذي انطلق من مكة والمدينة، تجذّرت في هذه الأرض قيم الكرم والجود والفزعة والوفاء والشجاعة، حتى غدت طبيعة أصيلة لا تنفصل عن شخصية السعودي ولا تتبدل بتبدل الزمان. ثم جاءت الدولة السعودية الأولى والثانية لتجعل من هذه القيم مشروع وحدة، حتى جاء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - فأعلن قيام المملكة العربية السعودية عام 1932، لا كدولة جديدة فحسب، بل كامتدادٍ عميق لجذور تاريخية وحضارية ضاربة في عمق الزمن. خمسة وتسعون عامًا مضت منذ ذلك الإعلان، والمملكة تمضي بثبات، تعزز حضورها، وتثبت للعالم أن أصالتها هي سر قوتها. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ازدادت المملكة رسوخًا وهيبة، فكانت قيادته امتدادًا لمسيرة التوحيد والبناء، وركيزةً للحكمة والثبات في زمن يموج بالتحولات. أما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - أيده الله - فقد جعل من الطبع الأصيل جناحين للطموح، فترجم قيم العزّة والكرامة إلى رؤية متكاملة تقود البلاد نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا، لتصبح المشاريع العملاقة مثل نيوم والقدية والعلا والبحر الأحمر شواهد حيّة على أن الوطن قادر أن يزاوج بين أصالته العريقة وحداثته المتجددة. إن اليوم الوطني ليس مجرد ذكرى للاحتفال، بل هو لحظة تأمل واعتزاز وتجديد للعهد، إذ يرفع السعوديون رايتهم الخضراء وهم يستحضرون أن هذه الراية لم تُرفع إلا بتضحيات الأجداد، ولن تظل خفاقة إلا بوفاء الأبناء. وهو أيضًا رسالة للعالم بأن المملكة لا تستمد قوتها من الخارج، بل من داخلها، من طباعها الأصيلة، من هويتها الراسخة، من إيمانها العميق ووفاء قيادتها وشعبها على حد سواء. وفي هذا اليوم، يلتقي الماضي بالحاضر، وتلتحم الذاكرة بالمستقبل، ليبقى الوطن شامخًا، وتبقى العزّة بطبعنا، وتستمر النهضة برؤيتنا، وتظل المملكة ماضية بثقة نحو غدٍ لا يقل مجدًا عن تاريخها، ولا يقل إشراقًا عن حاضرها، بل يتجاوزه إلى آفاق أبعد، تحت راية التوحيد التي لا تنكسر، وبقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وبشعبٍ مؤمن أن عزّته قدره، ونهضته رسالته، ومستقبله وعدٌ لا ينقطع.