ذات يوم، شددتُ الرحال مودعاً الوطن الحبيب، من أجل مشاركات خارجية، وأمضيت أسابيع حافلةً في أرض بعيدة ثرية بكل ما هو حافل وملفت.. وكما يحدث مع كل مغترب، فقد وجدت نفسي أقارن بين الأرض التي نبت فيها عودي، والأرض التي جئتها لأشارك وأعود إلى وطني، ولقد تعلمت الكثير، واكتشفت الكثير، وكان من ضمن ما اكتشفته: أن المروءة عملةٌ نادرة في العالم، وافرةٌ في مجتمعنا.. وأن في مجتمعنا قيماً رائعة.. تستحق أن نلتفت إليها، ونفخر بها، ونحافظ عليها.. ومن معين هذه القيم نهضت دولتنا الحديثة، يوم وحّد الملك المؤسس طيب الله ثراه هذه البلاد تحت راية التوحيد، فأرسى دعائم وطنٍ يعيش أبناؤه الأصالة، ويتنفسون العراقة، ويتعاملون بالجود والكرم. يجد المرء في مجتمعنا قيمة المروءة، والرحمة بالضعيف، والرأفة بالمسكين، وتقدير الكبير، واحترام المرأة، وإكرام الضيف، والترابط الاجتماعي، وكثيراً من مكارم الأخلاق، التي عُرف بها مجتمعنا منذ القدم، وبُعث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارمها، وليكون الأسوة الحسنة التي تتمثل فيها كل طباع الخير وسمات الفضيلة، التي صاغت ملحمة وطننا الغالي، فاجتمعت القلوب، ونهض البنيان على قاعدة من الإيمان والعمل الصالح، التي رعاها مؤسس المملكة، وتوارثها أبناؤه من الملوك حتى يوم الناس هذا. كل عين يقظةٍ.. تستطيع أن ترى ما في هذا المجتمع الطيّب من أصالةٍ وفرادة، فهو مجتمعٌ متمسك بجذوره، ملتصق بترابه، عميق في انتمائه، راسخ رسوخ النخلة، أصله ثابت، وفرعه في السماء.. مجتمع يتحرك وفق إيقاع الروح المسلمة، يصحو قبل أن يصحو الصباح مفتتحاً يومه بالصلاة، ويرطّب لهيب مناخه القاسي بالكلمة الطيبة، ويقاوم تصحر الأرض بخصوبة العطاء وغيث الكرم، في وطن يتفيأ ظلال الراية الخضراء، ويتنفس طموح إنسانه السعودي الذي يناطح جبال طويق. خطر لي هذا حين عرفتُ بالشعار الجميل ليومنا الوطني الخامس والتسعين: "عزّنا بطبعنا"، الذي يعيد تسليط الضوء على هذه الطباع الأصيلة في وطنٍ تُجسّد مؤسساته العامة والخاصة هذه القيم في سلوكها اليومي، حيث نعتبر أنفسنا في فزعةٍ دائمة لخدمة الإنسان، نحيط به بعطاءٍ كريم، يتجاوز "وظيفة" الأداء إلى صدق الرعاية والاهتمام، الذين يلمسهما الناس في تفاصيل صغيرة ذات معانٍ كبيرة، في أجساد مرهقة تحمل نفوساً عظيمةً، تعطي من القلب رغم ضغط العمل، وتهتم بصدق نابع من فيض الإنسانية والرحمة. وفي منظومة الصحة، ومنها مستشفى الملك فيصل التخصصي، تتجلى هذه الروح في كل رحلة علاج وشفاء. إن الكرم الذي يميز مجتمعنا يجد صداه في سخاء الخدمات العامة التي ينهض بها أبناء الوطن في قطاعاتهم، والهمة التي تتأصل في نفوسنا تنعكس في سعي الكفاءات للارتقاء بالمهارات والمعارف، أما الطموح فهو البوصلة التي توجهنا نحو التميز العالمي في كل ميدان.. وهكذا تتلاقى طباعنا الوطنية مع رسالتنا المؤسسية في انسجامٍ يصنع الأثر، وتظهر ثماره في خدمة الإنسان ورفعة الوطن. ولأن رؤية المملكة 2030 وضعت الطموح في قلب استراتيجيتها، فإن مؤسسات الوطن، تعمل على تحويل هذا الطموح إلى واقع ملموس، عبر تبني أحدث التقنيات، وتمكين الكفاءات الوطنية، وتقديم خدماتٍ مبتكرة تحفظ كرامة الإنسان وتؤكد إنسانية الرسالة العامة. فالإنجاز امتداد لقيم مجتمع كريم طموح هميم، يفزع عند الحاجة ويعطي بغير حساب، ويعرف أن ثواب الآخرة ينتظر أهل العطاء، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين. أرفع في الختام أسمى آيات التهاني إلى قيادتنا الرشيدة بمناسبة يومنا الوطني، مستذكرًا جهود الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد وإرساء أسس الدولة الحديثة، ومترحمًا عليه، ومبايعًا على الوفاء لراية التوحيد التي جمعتنا. وأزجي التحية لكل أبناء الوطن في ميادينهم كافةً على ما يوحدهم من قيم العطاء. هذه طباع تليق بنا جميعًا.. فاستمروا، وكونوا كما يليق بوطنكم.