في تطور لافت يعكس تحولات في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، أعلنت المملكة المتحدةوكنداوأستراليا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، رغم المعارضة الشديدة من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. والخطوات، التي تأتي متزامنة وقبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، تُظهر أن عددًا متزايدًا من الدول الغربية بات يتخذ مسارًا مستقلًا عن واشنطن وتل أبيب، في محاولة لإحياء فرص السلام عبر حل الدولتين، وتأكيد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. بريطانيا: من وعد بلفور إلى تصحيح المسار وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين ليس مكافأة لحركة حماس، بل خطوة لإحياء أمل السلام وإنهاء المعاناة. وأوضح أن بلاده تسعى إلى إطلاق سراح الرهائن، ووقف العنف، والعودة إلى حل الدولتين باعتباره «أفضل أمل للسلام والأمن لجميع الأطراف». الخطوة البريطانية تحمل بُعدًا تاريخيًا، إذ تعود جذور القضية إلى عام 1917 عندما أصدرت لندن وعد بلفور، الذي دعم إقامة وطن قومي لليهود متجاهلًا حقوق الفلسطينيين. ويرى مراقبون أن الاعتراف الحالي يمثل محاولة لتصحيح هذا الإرث الاستعماري، كما أكد حسام زملط، رئيس البعثة الفلسطينية في لندن، قائلًا إن «اليوم يُصحَّح فيه التاريخ ويُعترف فيه بحقوق الفلسطينيين بعد أكثر من قرن من الإنكار». كندا: ضغوط متزايدة وتهديدات أمريكية وفي كندا، أعلن رئيس الوزراء مارك كارني اعتراف بلاده بفلسطين، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى الحفاظ على إمكانية حل الدولتين ومنع الحقائق على الأرض من تقويضه نهائيًا. وأتى الإعلان رغم تهديدات مباشرة من الرئيس الأمريكي ترمب، الذي اعتبر القرار عائقًا أمام اتفاقات تجارية مستقبلية بين واشنطن وأوتاوا. ورغم الضغوط الأمريكية، أصرّت كندا على موقفها، مؤكدة أن استمرار الحرب في غزة وما خلفته من أكثر من 65 ألف قتيل ونزوح قرابة 90 % من السكان يجعل من الاعتراف ضرورة إنسانية وسياسية. أسترالياوفرنسا على خط الاعتراف وانضمت أستراليا بدورها إلى هذا التوجه، لتؤكد أن الاعتراف ليس مجرد خطوة رمزية، بل محاولة لإبقاء أفق الحل السياسي مفتوحًا وسط تعنت إسرائيلي متواصل. أما فرنسا، فقد اتجهت نحو الاعتراف الرسمي بفلسطين، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعلن موقفها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى المستوى المحلي، رفع عدد من رؤساء البلديات الأعلام الفلسطينية على مباني البلديات، متحدّين أوامر الحكومة الداخلية الرافضة، ومؤكدين أن الخطوة تحمل رسالة تضامن مع شعب يتعرض لحصار ومعاناة طويلة. معارضة أمريكية وإسرائيلية وسارعت الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلى إدانة هذه الخطوات، واعتبرتا الاعتراف «غير أخلاقي» و«مكافأة للإرهاب». فالحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو رفضت كليًا حل الدولتين، بينما شددت الإدارة الأمريكية على أن الاعتراف يجب أن يكون جزءًا من مفاوضات مباشرة بين الطرفين. لكن هذه المواقف لم تمنع تصاعد الدعم الدولي لفلسطين، حيث اعترفت حتى الآن أكثر من 145 دولة بها، ومن المتوقع أن ينضم عدد آخر خلال جلسات الأممالمتحدة المقبلة، ما يضع واشنطن وتل أبيب في عزلة دبلوماسية متنامية. البعد التاريخي والسياسي ويرى محللون أن الخطوات الأخيرة تمثل تحوّلًا إستراتيجيًا في سياسات الغرب تجاه الشرق الأوسط. فالدول التي لعبت تاريخيًا دورًا في تقسيم المنطقة ورسم حدودها – كالمملكة المتحدةوفرنسا – تجد نفسها مضطرة اليوم إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم. ويؤكد خبراء أن هذه الخطوات، رغم رمزيتها، تُعيد النقاش العالمي حول مشروعية الاحتلال الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي يعتبره معظم العالم غير قانوني. كما أن استمرار الحرب على غزة، وما خلفته من دمار واسع ومجاعة متصاعدة، يفرض على الدول الغربية إعادة النظر في سياساتها القديمة. رمزية الاعتراف ورسائله ومن الناحية العملية، لا يمنح الاعتراف الغربي فلسطين سيادة كاملة أو استقلالًا فوريًا، لكنه يوجه رسالة سياسية قوية إلى إسرائيل والولاياتالمتحدة بأن العالم لم يعد مستعدًا لغضّ الطرف عن الاحتلال المستمر والانتهاكات بحق المدنيين. ويشير باحثون إلى أن الاعترافات الجماعية تحمل قيمة رمزية كبيرة، فهي تضعف الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى نزع الشرعية عن الدولة الفلسطينية، وتفتح الباب أمام خطوات أكبر مثل عضوية كاملة في الأممالمتحدة أو الضغط من أجل وقف الاستيطان. الاعترافات المتتالية من بريطانياوكنداوأستراليا، مع الاستعداد الفرنسي للانضمام، تمثل تحديًا واضحًا للموقف الأمريكي والإسرائيلي، وتعيد الزخم إلى مسار سياسي كان قد تلاشى تحت وطأة الحرب والحصار. وبينما ترفض واشنطن وتل أبيب هذه الخطوات وتعتبرها عقبة، فإنها تكشف عن عزلة متنامية حول موقفهما الرافض لحل الدولتين. بريطانيا، كنداوأستراليا اعترفت بدولة فلسطين رغم معارضة أمريكية وإسرائيلية. فرنسا تستعد للخطوة نفسها، ورؤساء بلديات فرنسيون رفعوا الأعلام الفلسطينية تحديًا للحكومة. الاعترافات تحمل بُعدًا تاريخيًا، خاصة لدول أسهمت في رسم حدود المنطقة سابقًا. الخطوة رمزية لكنها تكسر العزلة وتعيد إحياء النقاش الدولي حول حل الدولتين.