العروض الاستهلاكية ظهرت في أصلها كأداة لدعم المستهلك النهائي والتخفيف من أعباء المعيشة على الأسر، غير أن الواقع يبين أن بعض التجار الصغار والعمالة المرتبطة بهم استغلوها بطرق تحرم المستهلك من حقه، فيقومون بشراء كميات ضخمة عبر أكثر من بطاقة هوية أو إقامة، عبر أقارب وأصدقاء، ثم يعيدون بيعها بأسعار مرتفعة في البقالات الصغيرة أو المتوسطة، وهو ما يفرغ فكرة التخفيض من مضمونها ويجعلها مجرد وسيلة للربح السريع على حساب الناس. هذه الظاهرة ليست محلية فقط بل واجهتها أسواق عالمية عدة، ففي المملكة المتحدة مثلًا فرضت سلاسل كبرى مثل «تيسكو» (Tesco) و«سينسبريز» (Sainsbury's) قيودًا صارمة على العروض بحيث لا يسمح بشراء أكثر من عبوتين من المنتج نفسه خلال فترة التخفيضات، وذلك لمنع ما يسمى بالتخزين وإعادة البيع. كما وضعت قيودًا على استخدام كوبونات التخفيض (Coupons) إذ تُربط الكوبونات بحساب العميل بحيث لا يمكن استخدامها أكثر من مرة للأسرة الواحدة. وفي الولاياتالمتحدة اتبعت متاجر مثل «وول مارت» (Walmart) و«كوستكو» (Costco) سياسات مشابهة تقوم على مبدأ «الحد لكل عميل» (Limit per customer) أي أن العروض مرتبطة بعدد محدد لكل مشترٍ، بل إن بعض الولايات أصدرت قوانين تمنع إعادة بيع المنتجات المخفضة بدون ترخيص، وهي تشريعات تهدف إلى حماية المستهلك من ممارسات يطلق عليها في السوق مصطلح «سكالبينغ» (Scalping) أي إعادة البيع بأسعار مضاعفة. أما في سنغافورة وهونج كونج فقد اتجهت المتاجر لاستخدام التقنية الحديثة، حيث ربطت العروض برمز استجابة سريع يعرف اختصارًا ب«كيو آر» (QR code) يُرسل إلى العميل عبر تطبيق المتجر، ولا يعمل هذا الرمز إلا مرة واحدة لكل هوية أو رقم هاتف، وبذلك يُغلق الباب أمام شراء كميات ضخمة بطرق ملتوية. هذه السياسة ظهرت بوضوح أثناء أزمات نقص السلع مثل حليب الأطفال، حيث حاول بعض التجار الاستحواذ على المنتجات وبيعها في السوق السوداء. وفي أستراليا اعتمدت متاجر مثل «كولز» (Coles) و«وول وورثز» (Woolworths) نظام «واحد لكل عميل» أو «اثنان لكل عميل» (One per customer / Two per customer) ودوّن الشرط بوضوح على الملصقات، وإذا ثبت أن متجرًا صغيرًا أعاد بيع هذه المنتجات بسعر أعلى فإنه يعد مخالفًا لقانون حماية المستهلك الأسترالي (Australian Consumer Law) ويُعاقب بغرامات كبيرة قد تصل إلى إيقاف الترخيص التجاري. هذه التجارب الدولية تبين أن الحل لا يكون في الرقابة فقط بل في الدمج بين التشريع والتقنية والمحاسبة، فالمستهلك يجب أن يظل محور الهدف، وأي التفاف على هذا الحق يجب أن يواجه بصرامة. الحل المحلي يمكن أن يقوم على وضع رمز خاص بكل عرض استهلاكي يربط بين المنتج والعميل عبر الهوية الوطنية أو رقم الجوال، بحيث يمنع النظام الآلي تكرار الشراء فوق الحد المسموح، وفي الوقت نفسه تُفرض غرامات كبيرة على أي متجر يثبت إعادة بيعه للمنتجات المخفضة، ويُعلن بوضوح على عبوة المنتج أنها مخصصة للمستهلك النهائي وليست لإعادة البيع. وبهذا يمكن أن نعيد الثقة للعروض الاستهلاكية ونضمن وصولها إلى الأسر التي تحتاجها، كما نحقق عدالة في السوق تمنع الاحتكار وتحد من جشع بعض التجار، مستفيدين من الدروس التي طبقتها الدول الأخرى بصرامة ونجحت في ضبط أسواقها. المستهلك يجب أن يظل محور الهدف، وأي التفاف على هذا الحق يجب أن يواجه بصرامة