لم تعد سباقات الإبل والهجن مجرد منافسات تقام على الرمال أو مهرجانات تراثية، بل أصبحت اليوم حدثًا وطنيًا بحجم العالم، والسر في ذلك ليس فقط في ضخامة التنظيم أو الدعم الرسمي، بل في الإعلام الذي التقط جوهر هذه الفعاليات وحوّلها من مشهد تقليدي إلى رسالة متجددة تُبث للعالم بلغة عميقة وملهمة. في بدايات هذه المهرجانات كان الإعلام يكتفي بالخبر «صورة لسباق أو خبر مقتضب في صحيفة»، لكن مع مرور الوقت ومع تطور أدوات الإعلام الرقمي والبث المباشر تغيرت المعادلة، الإعلام لم يعد مجرد ناقل بل صار صانعًا للمعنى، يروي القصة ويعكس الهوية ويُسهم في ترسيخ مكانة المملكة كموطن للتراث والإبداع. مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل لم يكتفِ بالسباقات بل صنع حالة إعلامية غير مسبوقة. كاميرات عالمية، حضور دولي، محتوى بصري، يترجم قيمة الإبل في الثقافة السعودية، ويقدّمها للعالم كجزء من هوية متفردة. مهرجان ولي العهد للهجن بالطائف جسّد كيف يمكن للإعلام أن يحوّل الفعالية الرياضية إلى تجربة حضارية شاملة: النقل المباشر، التطبيقات التفاعلية، والأستوديوهات، والبرامج المصاحبة، والمحتوى الرقمي، الذي ربط التراث بالرياضة والسياحة في صورة واحدة، جعل المهرجان أكثر من مجرد سباق بل منصة اقتصادية وثقافية متكاملة. الدعم الذي حظيت به هذه المهرجانات لم يكن مجرد ميزانية أو جهد علاقات عامة بل صناعة لهوية وطنية جديدة. الإعلام هنا لعب دور القوة الناعمة التي لا تكتفي بإبراز الصورة بل تعيد تشكيلها وتوجيهها لتصبح خطابًا وطنيًا معاصرًا يصل للعالم بروح الماضي ووعي المستقبل. اليوم حين نشاهد مهرجانات الإبل والهجن، لا نرى سباقات عابرة بل نقرأ في تفاصيلها رسالة إعلامية أعمق: إن هذا الوطن قادر أن يحول موروثه إلى قوة حضارية مؤثرة، وإن الإعلام حين يندمج مع التراث لا ينقل فقط بل يصنع ذاكرة ويكتب تاريخًا جديدًا، بلغة بصرية ووجدانية تعبر الحدود وتبقى في الوعي.