كان أرسطو [384 ق.م] يرى أنَّ «الذَّكر أرقى من الأنثى» كما في كتابه [أجزاء الحيوان] ونصَّ في كتابه [السِّياسة] على أنَّ «تسلُّط الرَّجل على النِّساء مسألة طبيعية جدًا»، ولم يتوقَّف أرسطو عند هذا حتى ربط نظرته بالجانب البيلوجي فكانت المرأة فيه هي الأنقص، هي الجانب السَّلبي المحض في التكاثر، بخلاف الذَّكر، وحين درس إمام عبد الفتاح إمام موقف أرسطو خصَّص لذلك كتابه (أرسطو والمرأة) وخرج بخلاصة قال فيها: إنَّ أرسطو خضع «لوضع المرأة الاجتماعي في عصره»، وهو في هذا يقرأ أرسطو وفق الفيلسوف الألماني هيجل الذي عرَّف الفلسفة بأنَّها «روح العصر مختصرة في الفكر»، فقد تخصَّص إمام عبد الفتاح بفلسفة هيجل، ولذا فإنَّ أقرب ما يُقرأ فيه موقف أرسطو ظروف النِّساء في زمنه، فلم يكن سوى صدى لبيئته في أثينا، وهو المقرب من الإسكندر المقدوني، الذي كان فارسًا مقاتلًا فاتحًا لكثير من البلدان، وهو ما يجعل الحرب عاملًا مفصليًّا في هذا التصور عن المرأة، حيث إنَّ الأفضلية لصالح القوَّة العضلية للذُّكور، بخلاف النِّساء، في مجتمع هرمي، الصَّدارة فيه للإسكندر. ومع انتشار المسيحية دخلت أفكار أرسطو على الفكر اللاهوتي، وسلَّط برتراند راسل في كتابه (لماذا لست مسيحيًا؟) الضوء على عدد من الانتقادات التي يوجهها إلى المسيحية وكان مما ذكره موقف الكنيسة من المرأة، ففي إنجيل يوحنا نصٌّ يتحدث فيه المسيح مع أمه يقول لها فيه: «ما لي ولك يا امرأة؟»، فتساءل راسل هل تُخاطب الأم هكذا؟ وأوضح مثال على الموقف السَّلبي من المرأة في الفكر اللاهوتي ما كتبه توما الأكويني 1274م الذي وضع خلاصة أفكاره في كتاب (الخلاصة اللاهوتية)، ومما جاء فيه: «الأنثى شيء مسيخ وناقص»، لقد كانت التصورات الكاثوليكية عن رجل الدِّين بأنه «يتنزه» عن العلاقة بامرأة، قبل ظهور البروتستانتية والنَّقاش في ذلك، فقد ارتبط موقف الكاثوليك من المرأة بفكرة تنزه مريم عن الرِّجال حين حملت بالمسيح، فكان لهذه الأفكار أن تتحد بالتصورات الأقدم مثل آراء أرسطو عن المرأة، فنظروا للمرأة على أنَّها عامل إغواء، يدفع لما يتنزَّه عنه رجل الدِّين. وأسهم في ذلك ظرف الحروب القديمة التي أعلت من قيمة المقاتلين في المجتمع، فهم القادة والفاتحون، ومن يحمون الديار، وقد اعتمدت تلك الحروب على القوة العضلية بخلاف الحروب الحديثة التي اعتمدت على التقنية، فمثلًا القوس، والرمح، والضرب بالسَّيف، مرورًا بتذخير المنجنيق، وركوب الخيل، كلها اعتمدت على قدرات عضلية يتفوق فيها الرَّجل على المرأة، ولم يتم التخلُّص من أهمية القدرة العضلية إلا مع دخول البارود بصورة ممنهجة في صناعة الأسلحة، حينها بدأت ظروف جديدة تختلف عن العوامل القديمة في الحرب لقرون مديدة في القرون الوسطى وما قبلها التي كانت تجعل الأفضلية في الحرب للذكور. ولم يتوقف الانحياز إلى الذكور على اللاهوتيين، رغم الانتقادات التي وجهت للكنيسة فحتى مع الحداثة كان داروين قد افترض أنَّ الرجل يمتلك قدرات عقلية أعلى من المرأة، وبقي سيجموند فرويد يحلل النَّفس في إطار أنَّ الأنثى أنقص من الرجال كونها لا تملك العضو التناسلي الذي يملكه، وأنَّ ذلك يصنع فيها عقدة نفسية، حتى جاءت الأحزاب اليمينية كالنَّازية فرفعت من قيمة الرَّجل بصفته مقاتلًا، أو (سوبرمان) وفق أفكار نيتشه، فكانت بيئة مثالية لانتشار الذُّكورية، في ظلِّ إلحاح النَّازيين على إنتاج المقاتلين. وقابل تلك الدَّعوات نزعات ليبرالية طالبت بحقوق النِّساء في الغرب، ومن ذلك كتاب جون ستيوارت مل (استعباد النِّساء) الذي رأى فيه أنَّ تحرير النِّساء مطلب في أفكاره السِّياسية والاجتماعية التي تؤسس للحريات الليبرالية، كما أنَّ الحركات الاشتراكية تبنت قضايا الصِّراع الطبقي، ولاحظت استغلال العمال بعد الثورة الصِّناعية، وسلَّط الاشتراكيون الضوء على حال النِّساء إذ يتقاضين أجورًا أقلَّ من الرِّجال، تبعًا للتمييز على أسس القوَّة العضلية، ومع تقدُّم الصناعة أكثر، صارت أعمال النِّساء تقارب أو تتساوى مع ما يعمله الرِّجال ومع ذلك يتقاضين أقلَّ، وبقيت النِّساء لا تحظى بحقِّ التَّصويت الانتخابي كذلك حتى وقت متأخر. وهذا يظهر أنَّ المفاهيم الذكورية الحديثة التي ظهرت كتيارات إنما انبثقت عن رحلة فلسفية ولاهوتية، مرورًا بدعوات يمينية سياسية في أوروبا، وقابل ذلك النَّسوية التي اشتقت من أفكار الليبراليين واليسار الاشتراكي الذي طالب بحقوق النِّساء، كان هذا قبل أن تنفصل تلك النَّزعات عن حاضنتها الأيديولوجية أو اللاهوتية والفلسفية الكبرى، وتتحول إلى نزعة ذكورية أو نسوية صِرفة، تتطرف كل واحدة منها لدعواتها، فالذكورية على اليمين، والنَّسوية على اليسار.