في الحياة اليومية، نواجه مواقف عديدة تستدعي منا اتخاذ قرارات أخلاقية وشخصية قد تتناقض أحيانًا مع الأنظمة والقوانين الموضوعة لضبط سلوك المجتمع. من بين هذه التناقضات، يبرز الصراع الدائم بين مشاعر الشفقة وضرورات تطبيق القانون، حيث يجد الإنسان نفسه ممزقًا بين إنسانيته وما يمليه عليه حسّه العاطفي، وبين الواجب القانوني الذي يهدف لحماية المصلحة العامة. أحد المواقف التي واجهتني مؤخرًا يوضح هذا التناقض جيدًا. كنت برفقة أحد أصدقائي عندما رأينا سيدة مسنّة تبيع الألعاب النارية على قارعة الطريق. صديقي أبدى تعاطفًا واضحًا معها، معتبرًا أنه من الظلم منعها من هذا العمل البسيط. لكنني، رغم تعاطفي معها، لم أستطع تجاهل أن القانون يمنع بيع الألعاب النارية لما فيها من خطر على السلامة العامة، خاصة في أيدي الأطفال والمراهقين. السؤال المحوري هنا: هل يجوز أن نغضّ الطرف عن خرق القانون فقط لأن من يخالفه يثير شفقَتنا؟ وهل التعاطف الإنساني مبرر كافٍ لتجاوز القواعد التي وُضعت للحفاظ على النظام والسلامة؟ هذا ليس المثال الوحيد، فهناك أيضًا المتسولون عند الإشارات المرورية. قد يكون بعضهم محتاجًا بالفعل، لكن وجودهم المتكرر في الطرقات يعكس صورة مشوّهة عن المدينة ويشوّش على ملامح التحضّر، بل قد يتحول الأمر إلى مهنة تُستغل فيها عواطف الناس، وتُخالف القوانين التي تجرّم التسوّل. في لحظة ما، ربما يشعر الإنسان بالذنب حين يتجاهل متسولًا أو يرفض إعطائه شيئًا، لكنه في الوقت نفسه يسهم – دون أن يدرك – في إبقاء هذه الظاهرة حيّة، رغم مخالفتها للقانون. الحضارة لا تُبنى فقط بالتعاطف، بل بالتوازن بين القيم الإنسانية والأنظمة القانونية. التعاطف ضروري، لكنه لا يجب أن يتحول إلى مبرر للفوضى أو لتبرير المخالفات. القانون ليس ضد الرحمة، لكنه أداة لتنظيم المجتمع وحمايته من الانزلاق إلى الفوضى، حتى إن بدا أحيانًا قاسيًا في وجه من نحب أن نرأف بحالهم. ما نحتاجه هو التمييز الذكي بين الحالات التي تستحق فعلاً دعمًا إنسانيًا – ويمكن أن تتم بطرق نظامية مثل الجمعيات الخيرية والبرامج الحكومية – وبين الحالات التي تُستخدم فيها مشاعرنا كوسيلة للتهرب من المسؤولية القانونية. في نهاية المطاف، يبقى التحدي الحقيقي في إيجاد ذلك التوازن الصعب: ألا نفقد إنسانيتنا تحت ظل القانون، وألا نفقد القانون في زحمة العاطفة.