كلنا وقعنا في الفخ دون أن نشعر. إعلان يظهر أمامك فجأة: «أخيرًا وبعد طول انتظار... العرض الأقوى الآن!» «فقط حتى نفاد الكمية!» «الكتاب الذي غير حياة الآلاف!» تتوقف عينك. تفتح الرابط. ليس لأنك مهتم حقًا، بل لأن شيئًا خفيًا بداخلك ارتجف، وكأن العالم سيُغلق أبوابه إن لم تنقر الآن. لكن... هل كان فضولك هو ما قادك؟ الحقيقة أن يدًا خفية قد ضغطت زرًا دقيقًا في داخلك. اسمه: «الخوف من الفوات». هذا الخوف ليس وليد اليوم. إنه شعور بدائي، ضارب في جذور البقاء. حين كان تأخر الإنسان عن اللحاق بالغنيمة أو مصدر الماء يعني ببساطة: الموت. هذا الشعور العتيق لا يزال ينبض فينا، لكنه اليوم لا يقودنا نحو الحياة، بل نحو روابط مزيفة وعناوين تتقن التمويه. المشكلة ليست في الإعلان ذاته، بل فينا. هل سألت نفسك يومًا: لماذا تتحول عبارة تسويقية بسيطة إلى تهديد داخلي؟ نحن من يمنح الكلمات هذا الثقل. «فقط حتى نفاد الكمية!» هذه الجملة ليست مخيفة في حد ذاتها، إلا حين تصطدم بعقل نشأ على فكرة أن القطار لن يعود. من هذه النقطة يبدأ التلاعب، أنت ربما لا تقتنع بالعرض فعلا، لكن نفسك تُقنعك بأنك ستندم إن لم تقتنصه. وتبدأ دوامة التردد التي تنتهي غالبًا بقرار متهور. لكن لو نظرنا بتمعن، سنكتشف أن «الفرصة» في هذه السياقات ليست شيئًا استثنائيًا، بل هي شيء عادي تم تجميله وتضخيمه وتقديمه كغنيمةٍ لا تُفوَّت. الكتاب الذي لا بد أن تقرأه؟ ربما تنساه بحلول الغد. العرض الذي لن يتكرر؟ انتظر قليلا وستراه يعود بثوب جديد الأسبوع المقبل. الإعلانات التي تبدأ ب«لا يفوتك...»، «اقتنص الفرصة»، «أخيراً وبعد طول انتظار»، لا تُكتَب عبثًا، بل تُصاغ بدقة لتُلامس أوتارك النفسية الأكثر هشاشة: الخوف من أن تكون في الجهة الخطأ من اللحظة، أن يغنم الآخرون وتخسر أنت. فالخدعة ليست في المحتوى، بل في إحساسك بأنك على وشك أن تضيع شيئًا كبيرًا. لكن بمرور الوقت، تبدأ اللعبة في الانكشاف، نلاحظ التكرار: النغمة نفسها ، الوتر المشدود نفسه، الفخ نفسه.. ومع ذلك، لا تفقد الحيلة سحرها. بل الأعجب أن بعضنا يُدمنها، لا يقع فيها رغمًا عنه، بل يعود إليها طوعًا. لأنه، وإن كان يعلم أنها خدعة، فإن هناك لذة خفية في الشعور بأنك أمام شيء «حصري»، «استثنائي»، «يخصك وحدك». نحن لا نريد أن نعرف فقط... بل نريد أن نشعر بامتياز أننا أول من عرف. نشتهي أن نكون جزءًا من الحكاية، لا مشاهدين من الخارج. لهذا، حين يُقال لك إن العرض «لن يتكرر»، فغالبًا هو سيتكرر. لكنّ الشعور الذي يُبنى داخلك- هذا الإحساس المُلِح بأنك إن لم تتصرف الآن فستندم- هو ما لا يتكرر. ذلك ما يبيعه التسويق. لا المنتج، بل الإلحاح، لا القيمة، بل الندرة المصطنعة. والآن، فكر قليلًا: ما الذي جاء بك إلى هذا المقال؟ ألم يكن العنوان نفسه، «لا يفوتك هذا المقال»، جزءًا من اللحن القديم؟ هذه المرة لم يفتك شيء، بل لقد أمسكت باقتدار بالخيوط، ورأيتَ كيف تُجهز السنارة في الظلام وعرفت- كما يعرف اليقظون- أن المعرفة، في عالمٍ كهذا، ليست ترفًا. إنها مقاومة هادئة، أن تعرف كيف تُنسج الحيلة، وأن تنظر إليها دون أن تقع فيها.. أو- على الأقل- تقع وأنت تبتسم، لأنك أدركت: ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يُقال «لا يفوت» يستحق الركض خلفه، بل أحيانًا، الوعي نفسه... هو ما لا يُفوت.