ما بين تكبيرة أمير في محراب الأموي، وصدى بشارة خالدة من لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم، تتقاطع الطرق بين الحرمين والشام. ليس صوتُ المؤذن وحده من شق السكون، بل صوت التاريخ، وهو يُنصت لخطوة جاءت لا لتزور، بل لتُبشر، وتؤم، وتفتح بابًا كان موصدا بالدم والصمت. من بلاد التوحيد والوحدة، من مملكة وحّد الله فيها القلوب قبل الصفوف، وأعلى فيها راية الكلمة فوق سيوف الفوضى، جاء أمير لا بوصفه ضيفًا، بل كما يأتي الهادي إلى قومه؛ يحمل في سجوده بشرى، وفي صلاته وعدًا لا يُكذّبه الزمن. دخل الجامع الأموي، ذاك الذي صلى فيه خلفاء وخطباء ومجاهدون، فوقف في محرابه، فخشع المكان، وأصغت له المآذن، وكأن دمشق، التي أرهقتها الحروب، تنفست للمرة الأولى دون دخان. ليست هي صلاة أمير فحسب، بل صلاة دولة قامت على السجود، لا على الصراع. دولة تعرف أن طريق المحراب أقرب إلى قلوب الأمم من طنين المزايدات، وأصدق من مواسم الخطابات. وفي تلك اللحظة، يطل حديث من ذاكرة النبوة، حين جاء سُهيل بن عمرو إلى صلح الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلًا: «لقد سهل لكم من أمركم». فكان سُهيل بابًا للصلح، ومفتاحًا لفتح انتظره الصادقون. واليوم، في الشام الجريحة، يدخلها أمير من مملكة السلام، فيصلي، وكأن الزمان يقول للناس جميعًا: لقد سهل من أمركم، واقترب الوصل بعد الفرقة، وانبثق الرجاء من سجدة لا تُجامل، بل تُنبئ. أيها السوريون، يا أهل الشام، هذا القادم من مكة والمدينة لا يصلي ليتصدر، بل ليبشر، وليقول بالفعل لا بالقول: إن الأمة ما زالت بخير، ما دام فيها من يصلي وفي قلبه وحدة، وتحت جبينه راية لا تنكسر. من صلى فيكم من أرض الحرمين، لم يأتكم بخطاب، بل أتاكم بركعة فيها المعنى كله: ركعة تقيم التوازن، وتعيد للصف طهره، وللوحدة جلالها، وللشام ما تستحقه من سلام. صلى الأمير، فارتفعت دمشق، وكبّرت العروبة، وفي سلامه سكنت القلوب، وارتجف الغياب. وهكذا هي المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين: لا تتحرك في أرض إلا وكان السلام في ركابها، ولا تطأ أرضًا إلا وكان الفأل معها. حملت إلى المعمورة هم الأمن لا السلاح، وبشّرت البلاد العربية بخيار السكينة لا الخصام. فإن تحرّكت، تحرّك معها الرجاء، وإن أقبلت، أقبل معها ضوءٌ يبعث الحياة في رُكام السنين. هي المملكة التي إذا وعدت أوفت، وإذا دخلت بلدًا دخلته بوجه سلام، وقلب يكره الانقسام، ويدٍ تمتد لتواسي لا لتُسيطر. هذا هو الفأل إذا نطق، وهذا هو المجد إذا تنفّس، وهذه هي الشام إذا أطلّ عليها ابن الحرمين.