الصخرة هي صخرة بيت المقدس التي كانت قبلتهم، واستقبلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته عدّة سنوات، فقد أخرج بن سعد، وابن أبي شيبة، وابن حبان والبيهقي، والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم عن البراء بن عازب: أن النبي- صلى الله عليه وسلم-، كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله، بنى النجار من الأنصار، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت الحرام، وأن أول صلاة صلاّها العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى مع النبيّ، فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل الكعبة، فداروا كماهم جهة البيت، ثم أنكروا ذلك، وكان الذين ماتوا على القبلة، قبل أن تحول قِبَل البيت، رجالاً، وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} «سورة البقرة 143». وأخرج ابن اسحاق وغيره عن البراء قال: (كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس، ويكثر النظر في السماء، ينتظر أمر الله فأنزل سبحانه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} «سورة البقرة 144». قال ابن عباس: إن أول ما نسخ في القرآن القبلة. وكان اليهود يستقبلون صخرة بيت المقدس، ومما ذكر ابن كثير وغيره، في تواريخهم، في فتوحات الإسلام بالشام : أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لما طُلِب حضوره، فإن وجدت صفته، كما هي عند قساوسة النصارى سلّموا بدون قتال، وإلا فلن يفتح أبو عبيدة ولا خالد بن الوليد القدس، فلما جاء وعرفه كبير القساوسة بصفته، سلّم عليه وأعطاه مفتاح بيت المقدس، ودخل معه إلى كنيسة - القمامة - القيامة - التي ذكرها صاحب المنجد باسم القمامة، لأن المصلوب، الذي ظنّه أعداؤه عيسى عليه السلام، قد جعلوا عليه قمائمهم، ولم يزلها وينظف المكان، ويخرج المصلوب ويطيّبه: إلا قسطنطين ووالدته هيلانه، بعد اعتناقهما النصرانية، تحولاً من الوثنية. فنكاية بمن عمل ذلك بالمصلوب، حملوا القمائم، ورموها على الصخرة المقدسة عند بني إسرائيل، من باب المعاملة بالمثل، فكان عمر- رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة يحملون هذه القمائم، ويرمونها بعيداً، ويقول: قائلهم الله ما أمرهم الله بهذا، ثم أمر بتنظيفها وغسلها، لمكانتها، ولأنها مسرى أنبياء الله، وآخرهم محمد- صلى الله عليه وسلم-. أما كبير القساوسة فإنه بعدما صحب عمر إلى هذه الكنيسة، عرض أن يصلي فيها، فقال- رضي الله عنه-: أخشى أن يغلبكم المسلمون عليها - و هذا من نظرته البعيدة- رضي الله عنه-، وتسامح الإسلام مع أهل الكتاب، حيث احترمهم المسلمون خلال قرون طويلة، ولم يعتدوا على ممتلكاتهم، أو يعترضوا على دياناتهم وصحّ ما توقعه عمر رضي الله عنه. ولا يزال مكان صلاة عمر قائماً حتى الآن، حيث بناه المسلمون مسجداً، وسموه مسجد عمر، وقد رأيته وتقام فيه الصلاة، قبل أخذ اليهود لبيت المقدس بأشهر عندما كنت طالباً في بيروت.. ولا ندري ما فعل الله به الآن والصخرة كما قال العلماء: هي مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، الذي جاء ذكره في سورة الإسراء، قبل الهجرة النبوية إلى المدينة. ومن الأشياء التي علقت في ذهني منذ الصغر، وأحببت التأكد منها، في أول زيارة لي للقدس، وأرجو ألا تكون الأخيرة، حقق الله أماني علماء وقادة المسلمين في الأيام القريبة الماضية، في جهودهم وتوصياتهم حول القدس، ووحدة المسلمين، وفي رفعهم الأكفّ لله في مكةالمكرمة، وأمام الكعبة المشرفة، ضمن المؤتمر الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين،- وفقه الله- لكل خير، ونصر به وبإخوانه زعماء العالم الإسلامي دين الله الحق، إنه ولي ذلك سبحانه والقادر عليه. أقول علق بذهني، وبذهن غيري، ممن قرأ كتاب بدائع الزهور، حيث جاء فيه أن الصخرة معلقة بين السماء والأرض، وكل يوم تنزل بمقدار شعر، ليس في طولها ولكن في سماكتها، ولما أتيح رؤيتها على الحقيقة، حكمت على ذلك القول: بالخرافة أو الكذب.. فإن الصخرة ملتصقة بالجبل، وبارزة في أعلاه، وما تحتها يشبه الغار، يصلي الناس فيه لا يأخذ إلا اثنين، وإذا تزاحموا كانوا ثلاثة، والأرضية تراب مغبر من كثرة من يطؤه ويصلي عليه، وقد تكون بلّطت بعد ذلك الزمن. وقد تحدث كثير من المؤرخين منهم ابن كثير، والنويري والطّبري وغيرهم، ومن المفسّرين في تفسير آيات تحول القبلة، عن هذه الصخرة، وبناء عبدالملك بن مروان لها.. وقد يكون من فائدة القارئ، ذكر شيء من ذلك، حتى يعلم المسلمون في كل مكان، وبأي صقع من الأرض، دور حكّام الإسلام في تاريخ دولة الإسلام الطويل، في حماية المقدسات الإسلامية، والسير وفق أمر الله، وما عمله أنبياء الله من قبل، من حيث التسامح مع أهل الكتاب، وعدم اغتصابهم شيئاً من ممتلكاتهم، أو التعرض لمقدساتهم، ويشهد بذلك المنصفون من علماء الغرب ومؤرخيهم، ومفكريهم، نموذج ذلك ما كتبه، بول ديورانت، في موسوعته: قصة الحضارة التي بلغ ما طبع منها حتى الآن 42 مجلداً. وما جاء في موسوعاتهم: كدائرة المعارف الإسلامية، والموسوعة البريطانية، وموسوعة الأديان، وأكثر من كتب في ذلك المستشرقون، ومع تحامل بعضهم، فإن القارئ لا يعدم إنصافا وقولاً للحقيقة لذات الحقيقة. وما سوف نتحدث عنه، عن بناء الخليفة الأموي: عبدالملك بن مروان، هو رواية مؤلف كتاب محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار، في الأدبيات والنوادر والأخبار الشيخ: محيي الدين بن عربي المتوفى عام 638ه. فقد روى بسنده الموصل إلى رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام مولى عبدالملك بن مروان، من أهل بيت المقدس: أن عبدالملك بن مروان حين همّ ببناء الصخرة ومسجد بيت المقدس، قدم من دمشق إلى بيت المقدس، وبثّ الكتب في جميع عمله كله، إلى جميع الأمصار، أن عبدالله أراد أن يبني قبة على الصخرة، صخرة بيت المقدس، تكنّ المسلمين من الحر والبرد، والمسجد. فكره أن يفعل ذلك، دون رأي رعيته، فلتكتب الرعية برأيهم، وما هم عليه، فوردت الكتب عليه: إن أمير المؤمنين رأيه رشيد، نسأل الله أن يتم له ما نرى من بناء بيته وصخرته ومسجده، ويجري ذلك على يديه ويجعله مكرمة، ولمن مضى من سلفه، فجمع الصنّاع من جميع عمله كله، وأمر أن يصنعوا له صفة القبة، وسمتها من قبل أن يبنيها، فعملت له في صحن المسجد، وأمر أن يبنى بيت للمال في شرقي الصخرة، وهو الذي فوق الصخرة فأشحن بالأموال، ووكل على ذلك رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام على النفقة عليها. وأمرهم أن يفرغوا المال عليها إفراغاً، دون أن ينفقوه إنفاقاً، فأخذوا في البناء والعمارة، حتى أحكم وفرغ من البناء، ولم يبق لمتكلم فيها كلام، وكتب إليه بدمشق: قد أتم الله ما أمر به أمير المؤمنين من بناء صخرته، والمسجد الأقصى، ولم يبق لمتكلم فيها كلام، وقد تبقى مما أمر به أمير المؤمنين النفقة، مائة ألف دينار، فيصرفها أمير المؤمنين في أحب الأشياء إليه، فكتب إليهما: قد أمر أمير المؤمنين لكما جائزة، لما وليتما من عمارة ذلك البيت الشريف المبارك. (للحديث صلة). بركة برّ الوالدين: ذكر أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء في ترجمته لطاووس بن كيسان أنه قال: كان رجل فيما خلا من الزمان، وكان عاقلاً لبيباً، فكبر فقعد في البيت: فقال لابنه يوماً، إني قد اغتممت في البيت، فلو أدخلت عليّ رجالاً، يكلمونني، فذهب ابنه فجمع نفراً، وقال: ادخلوا على أبي فحدثوه، فإن سمعتم منه منكراً فاعذروه، فإنه كبير السن، وإن سمعتم خيراً فاقبلوه. فدخلوا عليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإذا تزوج أحدكم فليتزوج في معدن صالح، وإذا اطلعتم على رجل على عمل فجرة، فاحذروه فإن لها أخوات. وقال أيضاً: كان رجل له أربعة بنين، فمرض فقال أحدهم: إما أن تمرّضوه، وليس لكم من ميراثه شيء، وإما أن أمرّضه وليس لي من ميراثه شيئا. قالوا: فمرضه أنت، وليس لك من ميراثه شيئا، فممرضه حتى مات، ولم يأخذ من ميراثه شيئاً، قال: فأتي في النوم، فقيل له ائت مكان كذا، وكذا فخذ منه مائة دينار، فقال في نومه: أفيها بركة؟ قالوا: لا. وبعد أن أصبح ذكر ذلك لامرأته. فقالت امرأته: خذها فإن من بركتها أن نكتسي منها، ونعيش منها.. فأبى. فلما أمسى أتي في النوم، فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه عشرة دنانير، فقال أفيها بركة؟ قالوا: لا. فلما أصبح ذكر لامرأته. فقالت له: مثلما قالت في المرة السابقة، فأبى أن يأخذها. فأتي في الليلة الثالثة فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه ديناراً واحداً، فقال: أفيه بركة؟ قالوا: نعم.. فذهب فأخذه. ثم خرج إلى السوق، فإذا هو برجل يحمل حوتين. فقال: بكم هما؟ قال: بدينار فنقده الدينار، وأخذهما منه بذلك الدينار. ثم انطلق بهما، فلما دخل بيته، شق بطنهما: فوجد في بطن كل واحدة منهما، درة لم ير الناس مثلهما، وكان الملك قد بعث يطلب درة يشتريها، فلم توجد إلا عنده، فباعها بوفر ثلاثين بغلاً ذهباً، فلما رآها الملك قال: ما تصلح هذه، إلا بأخت، اطلبوا أختها، وإن أضعفتم الثمن، فجاءوا إليه. فقالوا: أعندك أختها، ونعطيك ضعف ما أعطيتنا في الأولى؟ قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم. فأعطاهم إياها، بضعف ما أخذوا منه الأولى. (7:4 - 8).