تنفيذ 15 مشروعًا مائيًا وبيئيًا في الباحة بأكثر من 591 مليون ريال    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى اليوم الوطني لبلاده    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحصل على اعتماد أكاديمي فرنسي    رئيس الوزراء الأسترالي يبدأ زيارة إلى الصين    وكالات أممية: نقص الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار شامل    «اليونسكو» تدرج نقوش موروجوغا الصخرية الأسترالية ضمن قائمة التراث العالمي    الأرصاد: رياح على 5 مناطق و طقس حار في الشرقية    الياباني GO1 يتوّج بلقب FATAL FURY City of the Wolves    ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق "Team Redline" البريطاني يتوج ببطولة"Rennsport"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 130 شهيدًا    وسط تصاعد التحذيرات الدولية.. إدانة أممية لعرقلة الحوثي جهود إنقاذ البحارة المفقودين    الأمن العام يوضح خطوات الإبلاغ عن الاحتيال المالي    ضبط 10 مكاتب مخالفة في قطاع السفر والسياحة بالرياض    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    في نهائي كأس العالم للأندية.. حلم سان جيرمان بلقب أول يصطدم بعقبة تشيلسي    الزعيم يسابق الزمن لحسم صفقة" كين"    النصر يخطط لمبادلة لابورت بالأمريكي بوليسيتش    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    تواصل تميزها العالمي.. المملكة تعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    الغبار الإفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    باحث: دخول نجم سهيل 24 أغسطس المقبل    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    مبعوث ترمب في طريقه إلى كييف.. أوكرانيا تؤكد استئناف الإمدادات العسكرية من واشنطن وأوروبا    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    فيلمي القادم سيصور بالرياض.. الفنان أحمد السقا ل"البلاد": الهلال شرف العرب في كأس العالم    رنا جبران تجسد الأمومة الجريحة في مسلسل"أمي"    الحرف اليدوية السعودية تعرض في «أوساكا»    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الإفراط في تناول دواء شائع يسرع شيخوخة كبار السن    «الصحة» تقدم 7 إرشادات لتجنب ضربة الشمس    تسخير الذكاء الاصطناعي    المدخلي رأس خصوم الإخوان    أسعار النفط تتأهب لمزيد من التراجع الأسبوع المقبل    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    "إغاثي الملك سلمان" .. تخفيف معاناة المحتاجين والمتضررين    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    160.8 ألف قطعة سكنية لمخططات الأراضي المعتمدة    محافظ جدة يحضر حفل قنصلية فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن صالح الشثري    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب ميتافيزيقا العرب
نشر في الوطن يوم 12 - 07 - 2023

أوردَ القالي في كتابه «الأمالي» أنَّ الأصمعيَ قَالَ: «قَالَ بعض الحكماء:..ولا ميراث كالأدب». وقد جُعِلَت في بعضِ المرويات التراثية حَديثًا نبويًا، كما جاء -مثلًا- في «البصائر والذخائر» للتوحيدي؛ ربما للظنِّ بأنَّ هذه المقولة ترقى لأنَّ تكونَ وحيًا.
وقد اعتدنا أن نسمعَ مقولةَ «الشعر ديوان العرب»، وما يندرج تحتها من المعاني، التي تصف ظاهرةً بارزةً لها ظرفها الزمني، لكن يكاد يكون نصُّ: «..ولا ميراث كالأدب» هو الوحيد الذي يُعطِي للأدبِ -بصورته الكلية- معنىً وراثيًا، ومن ثمَّ التفكير به كذاكرةٍ تحمل صفاتَ الكائنِ الإنساني المتغير، وتنقلها من جيلٍ إلى آخر. وستكون مهمة الدراساتِ الأدبية -بناءً على هذه المقولة- تفسيرَ الظواهر المتعلّقة بطريقة هذا الانتقال. وأما النقدُ فيُطوّر هذه الذاكرة وصفاتها؛ إذ النصُ مفتوحُ على المعنى الواسعِ للفظةِ «أدب»، فالعرب يقولون: الأدب، ويريدون به الشعرَ والنثر، ويقولون: الأدبَ، ويعنُونَ أدبَ الدنيا والدين، وتندرج تحته العلوم الفلسفية والفنية والطبيعية، وبعض العلوم الدينية. ويؤكد ذلك مقولة تراثية جاءت في مصادر عدة، منها «زهر الآداب وثمر الألباب» للحصري، نَصّها: «الآداب عشرة: فثلاثة شهرجانية، وثلاثة أنوشروانية، وثلاثة عربية، وواحدة أربَت عليهنَّ. فأما الشهرجانية فضربُ العود ولعب الشطرنج ولعب الصوالج، وأما الأنوشروانية فالطبُّ والهندسة والفروسيّة، وأما العربية فالشعر والنسب وأيام العرب، وأما الواحدة التي أربت عليهن فمقطَّعات الحديث والسمر، وما يتلقّاه الناس بينهم في المجالس». أما العلوم الدينية فنجد أثرها في كتاب «أدب الدنيا والدين» للماوردي، وكتاب «الأدب المفرد» للبخاري، وغيرهما.
والأدبُ في العربيةِ بدأ حسّيًا، ومنه اشتُقّت «المأدبة». والمأدبةُ رمزُ الضيافةِ التي فيها يكون المُضيّفُ كالميّتِ الذي يُورَث؛ لأنه يُعطِي حواسَّه ليأخذ المعنى، وهذه صفةُ الميتِ مع ورثتِه؛ إذ يُعطِي ممتلكاته المادية، ليبحث عن المعنى. وهذه صفةُ الأدبِ لما تحوّلَ من كونِه حسيًا إلى أن يستحوذ على المعاني كلها، وكأنَّه رحلَ من النسبي إلى المطلق. هل هذا الرحيلُ يُذكّرنا بعلاقةِ الأدبِ بالميراث؟ ربما، وكل إجابة لها فضاؤها الممتد.
وإذا أقررتُ هذا أوجبَ عليَّ الأمرُ أن أُفكرَ بمعنى أن يكونَ الأدبُ ذاكرةً تحمل صفاتَ الكائن الإنساني المتغير. هل يحقّ لي -بناء على الذاكرةِ الواسعة للأدب- أن أستعيد الصراعَ حول ثنائية الجسد/العقل؛ لأننا لن نفهم الذاكرةَ ما دمنا نُصِرّ على أنَّ العقلَ منفصل عن الجسد؟.
بمعنى الأدب المذكور أعلاه أجدُ أنَّ الثنائيةَ ملغاة، ولكن ليس بالمعنى الحديث، بل بالمعنى الذي أنتجه العربُ -آنذاك- وهو أنَّ التشريحَ الجسديَّ، وما ينتج عنه من علوم، يندرج تحت الأدب، ويخضع لفلسفةِ الأخلاق العملية، فيكون العقلُ عملًا عند العرب، وليس جوهرًا. إلا أن العرب ميزوا الروح عن الجسد، وهذا يعني أنَّ الإلغاءَ لم يكن كاملًا. والغربُ تجاوزوا ثنائية ديكارت «العقل/الجسد»، لكن ظلّت في دواخلهم نوازعَ نحوها، وكأنَّ مفهومَ الأدبِ، بوصفِه ذاكرةً تُتوارث، يُلِحُّ على طلبِ ما هو خارج الجسد، لكنَّ الإنسانَ يخفِقُ في فهمها؛ لأنه يضع رأيًا مُسبقًا، وهو أنَّ الذاكرةَ في عقلٍ منفصلٍ عن الجسد.
وفي السياق العربي، الذي لا يرى أنَّ العقل جوهر بذاته لكن الروح مستقلة، سيحضر سؤال: «أين الذاكرة؟». إن عُقِدت بالروح فهم يفصلونها عن الجسد، ومن ثم لن نعرف ما معنى أن نجعل الأدب ذاكرة تتوارث. وإن قيل في العقل، فما معنى أن تكون الذاكرة في شىء ليس جوهرًا، بل هو مفهوم عملي؟ هل يعني هذا أن تكونَ الذاكرة مفهومًا عمليًا أيضا، وحين يموت عملُ الإنسان، تختفي الذاكرة؟. ربما هذا معنى يفتح مجالا تأويليًا مهمًا، لكني سأنحو إلى قولٍ يخدم السياقَ العربي، وهو قول الشهرزوري في كتابه «رسائل الشجرة الإلهية»: «العلوم هي التي لا تتغير بتغير الأزمنة والأعصار، ولا تختلف باختلاف الأدوار والأكوار». إذن يمكننا بالمفهوم الشامل للأدبِ أن نستبدلَ لفظَ «الآداب» بالعلوم، وهذا يعني أنَّ العربَ يعقدون الذاكرةَ بشىءٍ خارج الجسد، وكأنها استرجاعُ لشىءٍ لم يقع للشخص بشكل مباشر، بل كانَ في ذاكرةٍ قديمة. والذي يميز العرب هنا عن تذكر أفلاطون هو الإسناد الجمعي، بوصفه شرطًا للتذكر، ومن هنا يكون الأدب حاملا لصفات الكائن الإنساني- الأصيل والحقيقي كما تراه العرب- وبهذا سيكون مفهوم الأدب في قول: «..ولا ميراث كالأدب» معزولًا عن المتأدِّب. أي كأنَّ المقولة أرادت أن تعزل الأدبَ عن الأعراضِ التي تحصل للمتأدب، ومنها رؤاه الذاتية عن الأدب. ومعنى ذلك أنَّ ثمة ذاكرة للأدبِ تلجأ إليها الذات؛ لتصنع منها الحقائق الموجودة في لوح الأدب المحفوظ. أليس هو الذاكرة التي تحمل صفات الكائن الإنساني المتغير؟ إنه كائن متغير، والأدب غير متغير. بهذا يعلو الأدب، ليكون كتابَ العربِ الأكبر أو لنقل بلغة فلسفية: ميتافيزيقا العرب.
التفاتة:
يقول أبو محسّد:
«وفي النفس حاجات وفيك فطانة / سكوتي بيان عندها وخطاب»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.