كان يعد من بين زبائنه سلفادور دالي وفيديريكو غارسيا لوركا، وفترات بعد الظهر على شرفته، لا تزال تزخر بأحاديث المثقفين، إلا أن مقهى “خيخون”، وهو مكان محوري في الأوساط الثقافية في مدريد، قد يغلق أبوابه اليوم، بعد أكثر من 120 عاما على تأسيسه. شرفته، التي تظللها أشجار شامخة، مزروعة في باسيو دي ريكولتوس في وسط مدريد، تلازم حياة المقهى منذ تأسيسه في العام 1888. إلا أنها بقيت ملكا للبلدية، التي قد لا تجدد الترخيص لمقهى خيخون لاستخدامها بعد ورود عرض مناسب أكثر بالنسبة لها. إلا أن المقهى من دون الشرفة، قد لا يستطيع الصمود. ويقول النادل والناطق باسم المقهى خوسيه بارسينا “إنها الرئة الاقتصادية للمقهى و60 إلى 70% من العائدات تأتي من الشرفة”. وأوضح قلقاً “الإدارة قامت بحساباتها، وفي حال خسرنا الشرفة، يفكرون ببيع المقهى. لكن من سيشتري مؤسسة حرمت من مصدر عائداتها الرئيسي”. وأثار الخطر، الذي يهدد مقهى خيخون حيث يعمل 42 شخصا، موجة استنكار في صفوف الفنانين والمثقفين، الذين لديهم عاداتهم حول الطاولات الرخامية، مثل من سبقهم من رواد المقهى، مثل الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا، أو السينمائي لويس بونويل. وعرف المقهى أسماء أخرى شهيرة أمثال أرنست همنغاوي ومارتشيلو ماستروياني وترومان كابوت وافا غاردنر. ويقول خوسيه بارسينا (56 عاما)، الموظف في المقهى منذ 38 عاما: “دالي كان يطارد الذباب على الشرفة”. وأغلق المقهى العريق أبوابه مرتين فقط في تاريخه، الأولى خلال الحرب الأهلية بين عامي 1936 و1939، حيث حول إلى مقصف للميشليشيات الجمهورية، وفي الثمانينات لأعمال ترميم وتحديث. وبقيت حينها الشرفة وحدها مفتوحة أمام الزبائن. النقاشات بين المثقفين المعروفة باسم “تيرتوليا”، وهي من ميزات الثقافة الإسبانية، لا تزال تحتدم في هذا المكان صاحب الأجواء القديمة، مع الستائر المخملية الحمراء التي تحيط بنوافذ واسعة، فيما تغطي الأخشاب الجدران والشرفة بأثاثها الحديد. ويساءل الكاتب الاسباني خوان خوسيه ارماس مارسيلو، الذي جلس إلى الشرفة مع ثلاثة زملاء في بعد ظهر يوم مشمس: “هنا أمضى كتاب وممثلون وموسيقيون لحظات تشكل ذاكرة الثقافة الأسبانية، والثقافة الأوروبية، والثقافة الأميركية اللاتينيتة، التي نقلت إلى مدريد. كيف يمكنهم تصور القضاء على هذا المكان الذي هو بمثابة أكاديمية؟” ويؤكد جاره خوسيه استبان، الذي شارك في وضع كتاب بعنوان “كتاب مقهى خيخون”، “لقد ترعرت هنا بين الشعراء والكتاب، وقد تعلمت فيه أكثر بكثير مما تعلمت في الجامعة”. ويقول خوسيه بارسينا إن القيمة الثقافية للمكان كانت لها الغلبة في الماضي أمام عروض أفضل من الناحية المادية، عند تجديد الرخصة. لكن البلدية هذه المرة لم تبت الأمر بعد. واكتفت ناطقة باسمها بالقول “العملية جارية” من دون إعطاء أي تفاصيل حول العروض التي تدرس راهنا. وفي إطار الأزمة الاقتصادية، والانكماش ومع دين يتجاوز الستة مليارات يورو، وهو الأكبر بين كل البلديات الأسبانية، قد تنحاز بلدية مدريد للاعتبارات المالية وتختار العرض الأعلى. ويقول خوان خوسيه ارماس مارسيلو بسخط “أدرك أن المال يساعد على تأمين القوت، وعلى تأمين أمور أخرى كثيرة. إلا أن المال ليس كل شيء. ويجب ألا تقتصر الأمور على التنافسية وعلى الذي يدفع اكثر من غيره”. ويضيف “سنبذل قصارى جهدنا لتجنب طرد زبائن مقهى خيخون لإقامة مصرف أو مطعم صيني، ولمنحه إلى من يدفع أكثر”. وأكدت البلدية مرارا أن “الشرفة ليست ملكا لمقهى خيخون الذي يكتفي فقط بادارتها”. وفي محاولة لإيجاد مخرج للقضية، طلبت المعارضة في برلمان المنطقة، الذي يسيطر عليه الاشتراكيون، تصنيف المبنى على أنه “ملك ذو أهمية ثقافية”. لكن القرار في هذا الموضوع يعود إلى حكومة منطقة مدريد، وحتى لو كان إيجابيا، لن يكفي في تعطيل خيار البلدية. ويقول خوسيه استيبان “إنه المقهى الأدبي الوحيد في مدريد. لا يسعني أن أصدق” أن مقهى خيخون قد يختفي. ويختم قائلاً “سيشكل ذلك كارثة ومأساة لمدريد وللثقافة الإسبانية”. أ ف ب | مدريد