يقول الرئيس الإيراني واثنان من النواب يُعِدَّان تقريرين منفصلين عن قضية رجل الأعمال، باباك زنجاني، إن تنفيذ الحكم الصادر بإعدام الملياردير بسبب الفساد سيطمس هوية كبار المسؤولين الذين كانوا يؤيدونه. في الوقت نفسه؛ لجأ مئات الإيرانيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عما يشعرون به من استياء نتيجة ما أحاط بالإجراءات القضائية ضد رجل الأعمال من غموض وما انتهت إليه المحاكمة في مطلع مارس الجاري. ويؤكد رجل الأعمال تلقيه دعماً من مسؤولين أصحاب نفوذ خلال فترة حكم الرئيس السابق المتشدد، محمود أحمدي نجاد. واعتبر زنجاني أنه ساعد إيران في التحايل على العقوبات الدولية ببيع نفطها في الخارج. وكانت السلطات ألقت القبض عليه في عام 2013 واحتجزته في طهران بتهمة تربُّح أكثر من 2.7 مليار دولار من قيمة ما باعه من النفط لحساب حكومة نجاد. وجاء القبض عليه بعد أشهرٍ من فوز حسن روحاني بالرئاسة بعد حملة انتخابية ركز فيها على محاربة الفساد الحكومي. ونفى زنجاني القابع في السجن اقتطاع أي مبالغ من إيرادات النفط، وأبلغ المحكمة بقوله «بمجرد أن تغيَّرت الحكومة صوَّروني في صورة لص». وهو يعتزم استئناف حكم الإعدام. ولم تتمكن «رويترز» من الاتصال بنجاد للتعليق. وسلَّطت القضية الضوء على تعقيدات النظام الإيراني الذي يجمع بين سلطة رجال الدين والإطار الجمهوري المعتمد على مسؤولين منتخبين وآخرين معيَّنين. وتتزايد التساؤلات عن طبيعة تورط أي شخصيات حكومية في صفقات زنجاني المالية، في وقتٍ يسود الغموض النظامين السياسي والقضائي. وسبق للرئيس، الذي تعهد سابقاً بمحاربة الفساد الذي انتشر في حكم سلفه، انتقاد أسلوب معالجة القضية علناً، مثيراً تساؤلات حول من مكَّن زنجاني من تنفيذ صفقاته التي انطوت على مبالغ طائلة وما إذا كان من الممكن استرجاعها إذا ما نُفِّذَ الإعدام. وتساءل روحاني في تجمع شعبي خلال زيارة إلى مدينة يزد هذا الأسبوع «من كان يحميه وأتاح له مساحةً يفعل فيها هذه الأمور؟»، معتبراً أن «ما يريده الشعب هو معرفة كيف وبإذن من استطاع هذا الفرد بيع النفط وأين ذهب كل هذا المال»، مشدداً «الإعدام لن يحل أي مشكلة». ولا تتمتع الرئاسة بنفوذ يُذكَر بين أصحاب المواقف المتصلبة الذين يهيمنون على قضاءٍ يستقل عن السلطة التنفيذية. واشتبك روحاني مع السلطات القضائية في عدة مناسبات منذ توليه الرئاسة؛ في قضايا تراوحت من الحفلات الموسيقية العامة إلى القبض على صحفيين. ولا يمكن له إلغاء حكم الإعدام لأن المرشد علي خامنئي ورئيس القضاء هما اللذان يملكان هذا الحق حصراً، وفقاً للمدير التنفيذي للحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران، هادي غانم. ورأى نائبان في لجنة برلمانية يحققان بشكل منفصل في القضية، وهما حسين دهدشتي وأمير عباس سلطاني «مستقلان»، أن إعدام رجل الأعمال لن يحرز شيئاً في معالجة الفساد. وحذّرا من أن الإعدام سيسمح بهروب المسؤولين الذين دعموا زنجاني من العدالة، لكنهما لم يحددا أي شخصيات بالاسم ولم يتَّهما مسؤولين أو قضاة صراحةً بمحاولة إسكات المُدان. وتحاول اللجنة البرلمانية استرداد أموال النفط والتعرف على أي مخالفات ربما تكون الحكومة ارتكبتها. ونقلت وكالة أنباء «مجلس الشورى الإسلامي» عن حسين دهدشتي قوله بعد إصدار الحكم في ال 6 من مارس «إعدام المتهم سيسمح بنسيان الأيدي التي تقف خلف المشهد التي كانت مسؤولة بدرجة أكبر من المتهم عن هذه القضية». بدوره؛ رأى أمير عباس سلطاني أن «مسؤولي الحكومة الفاسدين والمتربحين ما زالوا يلقون الحماية ولم يتم التصدي لهم». وأبلغ وكالة الأنباء نفسها بقوله «لم يتم استجوابهم حتى في المحكمة، وبإعدام متهم واحد أو اثنين في هذه القضية وتجاهُل المسؤولين الرئيسين؛ لن يتم حل مشكلة هذه القضية أو مشكلة الفساد الاقتصادي في البلاد». وكانت اللجنة البرلمانية، التي تضم 10 نواب، تشكَّلت وقت اعتقال زنجاني. وذكر سلطاني أن الهدف من تشكيلها هو «تحديد هوية المتورطين في التربح والاحتيال والفساد الذين حموا المتهم والكشف عنهم، إضافة إلى العمل على ضمان إعادة الأموال». وسئل عن الصلاحيات القانونية للجنة؛ فأجاب «الأعضاء يمكنهم متابعة هذه المسألة من الناحية القانونية إلى أن يتمكنوا من تحقيق نتيجة»، ولم يذكر تفاصيل. ولم يتضح ما إذا كانت اللجنة قادرة على معاقبة أي مسؤولين يتضح أنهم ساندوا أنشطة زنجاني. ووجه نائبان آخران ليسا من أعضاء اللجنة، وهما غلام علي جعفر أبادي ومحمد علي أصفاناني، انتقادات علنية لحكم الإعدام، ولاحظا أنه سيمنع الكشف عن المسؤولين الذين دعموا المدان، لكنهما لم يذكرا أسماء. ولا يُكنُّ كثيرٌ من الإيرانيين العاديين أي ودٍّ لزنجاني الذي يعدُّ من أغنى أغنياء بلادهم، إذ كوَّن ثروته بينما كانوا هم يرزحون تحت وطأة المشكلات التي سبَّبتها العقوبات الدولية. ومع ذلك؛ أبدى مئاتٌ على «فيسبوك» و»تويتر» و»تلجرام» غضبهم من حكم الإعدام والسرية التي أحاطت بواحدة من أكبر قضايا الفساد المالي في تاريخ إيران. وعلى مدى أكثر من 20 جلسة للمحكمة؛ كانت التغطية الإعلامية محدودة واقتصرت على مقاطع فيديو قصيرة وصور فوتوغرافية ومقتطفات من أحاديث قصيرة متبادلة بين زنجاني ورئيس الهيئة القضائية. وكتب مستخدم على «فيسبوك» يسمى ماماد «إعدامه لن يفيد في مكافحة الفساد بل سيكون له الأثر العكسي». وعلَّقت مستخدمة على «تويتر» باسم تيفاني «نظامكم المقزز لن يتحسن بهذه الأمور، ولن ينطلي على أحد هذا الاستعراض بعد الآن». وتحدث زنجاني في المحكمة ومقابلات إعلامية قبل القبض عليه عن إبرام سلسلة من الصفقات عن طريق شبكة معقدة من الشركات لتفادي العقوبات التي فرضها الغرب بسبب البرنامج النووي لبلاده. وتباهى بتعاقداته وصلاته مع شركات مرتبطة بالحرس الثوري الذي يعد أضخم جهاز عسكري واقتصادي إيراني. وأفاد بأن أحد كبار قادة الحرس الذي عمل وزيراً للنفط، رستم قاسمي، طلب منه التحايل على العقوبات وبيع النفط لحساب وزارته، مؤكداً عمله على إبرام صفقات مع عدد من كبار المسؤولين الآخرين من حكومة نجاد، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت تلك الصفقات تنطوي على الالتفاف على العقوبات. ولم يُعرَف ما إذا كان المُدان قدَّم أي أدلة لدعم اتهاماته. ولم تتلق «رويترز» ردّاً على محاولات متكررة للاتصال بالمكتب الإعلامي للحرس الثوري، ولم تستطع الاتصال بقاسمي للتعقيب. وفي أكتوبر الماضي كتب قاسمي مع 5 آخرين من كبار المسؤولين، الذين خدموا في عهد نجاد واتُّهِموا بالتعامل مع زنجاني، خطاباً إلى النائب العام طالبوا فيه بإعلان أي أدلة على وجود صلات مالية تربط رجل الأعمال بأي مسؤول حكومي. وبدا هذا الخطاب محاولة من جانب المسؤولين للنأي بأنفسهم عن أي أنشطة جنائية ورد ذكرها في المحاكمة. ولم يكشف القضاء عن أي صلات بين زنجاني وأي مسؤولين حكوميين، لكن لم يتضح سبب ذلك. ووفقاً لوكالة أنباء «فارس»؛ فإن المسؤولين الآخرين الذين وقَّعوا الخطاب مع قاسمي هم الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والمالية، سيد شمس الدين حسيني، والوزير السابق للإسكان والتطوير العمراني، علي نكزاد، والوزير السابق للصناعة والتعدين والتجارة، مهدي قازانفري، والنائب السابق لإدارة التخطيط والإشراف الاستراتيجي، بهروز مرادي، والمحافظ السابق للبنك المركزي، محمد بهماني. ولم يتسنَّ ل «رويترز» الاتصال بأي منهم للتعقيب. ويرى مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، عباس ميلاني، حكم الإعدام محاولة لتجنب الكشف عن مزيدٍ من المعلومات.