يقول الدكتور عبد الله الغذامي: "تكتسب الأفكار قوة إضافية كلما تعاقب عليها الزمن من جهة وتواتر القول بها من جهة ثانية، وهذا يعطيها حصانة رمزية تبلغ حد التقديس بسبب رسوخها الذهني". لعله لا أحد منا لم يسمع من قبل بعبارة "خصوصية المجتمع السعودي" التي تستخدم كحجة دامغة أحياناً أو مبرراً أو شماعة يتم تعليق عليها ما نعجز أو ربما لا نرغب في إجابته وإيجاد تفسيرات له. ولعلّ هذا يقودنا لتساؤلات أهم: ماهي خصوصية المجتمع السعودي؟ وما هو المقصود بالخصوصية؟ ولماذا نعتقد أننا متفردون ومختلفون عن البشرية جمعاء بهذه الخصوصية؟ هل تكمن خصوصيتنا في العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ أم أنها تكمن في الدين؟ إن كانت خصوصيتنا المزعومة في الأولى – أي العادات والتقاليد – أليس في ذلك القول ترسيخ وتوكيد لها دون اعتبار للمصلحة أو المنفعة أو تماشيها/ تعارضها مع تعاليم الدين أو سياسة الدولة؟ وإن كانت خصوصيتنا في الدين أليس الدين رسالة للبشرية عامة وما أرسله الله تعالى إلا رحمة للعالمين؟ عندما تطرح على طاولة الحوار ملفاً مثل ملف قانون الأحوال الشخصية وما فيه من جوانب نقص وقصور بحاجة ماسة للتصحيح والتعديل، يدافع كثيرون عنه حاملين لواء الخصوصية السعودية، عندما تناقش موضوع إذن ولي الأمر أو تصريح السفر لا سيما للمرأة التي تضطر أن تحصل عليه من ابنها الذي تعوله أو أخيها الذي لم يخط شاربه بعد يتم التذرع بخصوصية المجتمع.. قد تكون تلك ملفات ساخنة لكن حتى عندما تتناول مواضيع أقل جدلية كمقترح رياضة الفتيات وأهميتها كمقرر دراسي لاسيما في ظل انتشار البدانة محلياً وإقليمياً وعالمياً لا يتم إغفال الخصوصية كحجة أكيدة وبرهان لا يقبل التمحيص. ليست قضايا المرأة وحسب التي يتم "رفع كرت" الخصوصية السعودية في وجهها، بل حتى عندما تتم مناقشة ممارسات اجتماعية كالبذخ في الولائم والموائد التي تمتد على مد النظر وبقايا الطعام الكفيلة بإطعام مجاعة لا سيما في عالم يعاني ما يعادل مليار فرد فيه من الجوع "حسب آخر إحصائيات الأممالمتحدة" يتم الاستعانة بذريعة الخصوصية وأننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن لا نكرم الضيف بهذا الشكل. عندما تتم مناقشة تصميم المسكن السعودي وضرورة إعادة النظر فيه في ظل أزمة السكن وشح الأراضي وتضخم أسعار العقار فلا يلزم للأسرة الصغيرة أن يكون هناك مجالس استقبال وصالات طعام للضيوف المحتملين على حساب راحة أهل المنزل المقيمين يتم الاحتجاج بالخصوصية السعودية، بل حتى عندما تناقش معضلة الازدحام المروري والطرق البديلة التي يمكن الاستعانة بها للتخفيف من الاختناق المروري يرفضها البعض دون تمهل لأن خصوصيتنا لا تسمح بها. الحقيقة أنه إن كانت لنا خصوصية فهي أننا مهبط الوحي وعلى أي حال هذا تكريم وتشريف لنا لا ينبغي اتخاذه ذريعة أو عذراً لندافع بها عن تقصيرنا أو تأخرنا أو نبرر فيه بعض ممارساتنا الخاطئة، بل إن استمرار اختزال العبارة وابتذالها بهذا الشكل سيخلق أجيالاً قادمة لن تفخر بخصوصية لم تقدم لها من الأمر شيئاً أو تؤخر.