في الولاياتالمتحدة لكي تصنف كمثقف طليعي صاحب قضية، ونشط اجتماعياً وسياسياً، وأيضا لكي يسمع صوتك ويفسح لك حيزاً في الفضاء الإعلامي لابد أن تسجد وتقدم النذور لثلاثة أصنام... الصنم الأول هو صنم الهولوكوست وتاريخ اضطهاد اليهود، الصنم الثاني هو نضالات السود واللاتينو (الهاسبنيك)، والصنم الأخير حقوق المثليين والإجهاض. وإن تجرأ أحدهم وتلكأ عن الذهاب لأي من معابد الأوثان السابقة، فإنه سيوصم بالتوحش والنازية والفاشستية وجميع ماهو ضد القيم الإنسانية. لذا حتى على المستوى السياسي نجد المرشحين في حملاتهم الانتخابية يمسون هذه القضايا مساً رقيقاً لطيفاً، هذا إذا لم توظف كجزء ترويجي لحملاتهم. في عالمنا العربي أيضا لنا أصنامنا، تابوهات وأوثان (ضمنية )غير معلنة لابد أن يخضع ويسجد لها المثقف كي تمرر له بطاقة الدخول أو القبول في نادي الانتلجنسيا الوهمي... أولها..... بغض أمريكا، وثانيها شتيمة أموال وأهل النفط...،ومتفرقات قد يكون منها مثلاً الإعجاب بصوت فيروز. وإن كان ذم أموال النفط هو ديدن قومجية الستينات ومثقفي المقاهي آنذاك عندما استطاعوا أن يسوقوا لطروحات فكرية وإعلامية مؤدلجة تشيطن أموال النفط وتؤثمها وتجعل منها مصدراً للكثير من مصائب العالم العربي . إلا أننا في السنوات الأخيرة لاحظنا أنها ثيمة عادت تتكرر في الكثير من الطروحات الفكرية على مستوى العالم العربي. المفارقة هنا أن هذه الطروحات تميل إلى التعميم والسطحية فتجمل جميع أنشطة المجتمعات النفطية في سلة واحدة وتلغي البعد التاريخي والجغرافي وحقيقة أن النفط قد غير تضاريس المنطقة بأكمالها. تلك الطروحات تغفل نضالات سكان هذه المنطقة عندما تحدوا قسوة الطبيعة والإرث وخرجوا من جديد يصنعون حكايتهم أو تحديداً أسطورتهم الخاصة. هذه المنطقة عبر التاريخ كانت منطقة صحراوية طاردة تفر منها أمواج القبائل السامية إلى ماحولها، لكن بعد ذلك استدارت البوصلة وتحولت إلى منطقة جذب مليئة بالفرص والوعود ليس من العالم العربي فقط بل العالم بأسره، في الوقت نفسه الذي كان فيه بقية العالم العربي مختطفاً على يد الحكومات العسكرية المخابراتية وقبضتها الحديدية الخالية من المنجز الحضاري التنموي، تلك الحكومات التي سكبت أسيد الخوف على تلك الشعوب ولجمت جميع طفرات المواهب والإبداعات التي تمتلكها الشعوب العريقة من عرب الشمال؟ الصورة النمطية المدنسة لأموال النفط عادت لتصبح متداولة بكثافة في أدبيات الربيع العربي، وأصبحت أحد شعارات الخطب النارية والحماسية التي تنبثق فجأة في ميادين المظاهرات، لتسكب سمومها في آبار النفط، مع الإصرار على وضع المنطقة وسياستها وإنسانها ومنجزها الحضاري وتاريخها في سلة واحدة. ولو تجاوزنا قناة الجزيرة (بوق الأخوان) وبعض القنوات الموالية لإيران والنظام في سوريا... لوجدنا أيضا مع الأسف بعضاً من الأسماء الثقافية البارزة تتبنى هذا الطرح كصنم ثقافي تلتف حوله بتبتل وإجلال، مع تغييب كامل للطرح العلمي الموضوعي، والحياد الأكاديمي. أصنامنا الثقافية، سقطات معرفية كبرى في خطابنا الثقافي والفكري والإعلامي.... إصرار على تنميط صورة المثقف، فأنت إذا لم تصب سموماً في بئر النفط (الذي لا يسقي الخليج فقط بل عموم العالم العربي)....فأنت لست بمثقف نوعي.